لا شك في ان ما شهدته الساعات الأخيرة من تصريحات نارية أطلقها أحد ركني الثنائي الشيعي، الرئيس نبيه بري في اتجاه بعبدا ، حركت الجمود الذي يعتري عملية تشكيل الحكومة، أقله لجهة كشف حقيقة الاصطفافات .
التموضع الجديد ، لن يدفع طبعا باتجاه تسهيل التشكيل ، لكنه يظهر رئيس الجمهورية في موقع المحاصر داخل الفريق الممانع زائد الرئيس الحرري ، و” بقبة باط ” من حزب الله . هذا في الواجهة المطلة على الداخل، أما في الواجهة المطلة على فرنسا والخارج ، فقد ظهر التكتل المواجه لعون وكأنه أنجز المطلوب منه داخليا وبرأ ذمته تجاه الرئيس ماكرون ورمى كرة التعطيل في ملعب رئيس الجمهورية .
المريب ولكن غير المستغرب في هذه المناورة ، أن الحزب يعرف بأن الرئيس عون ليس من الصنف الذي يتراجع مهما عظمت الخسائر ، وتاريخه يشهد على ذلك ، كما يعرف الحزب أن الممانعة العونية في مواجهة الجياع و الضغوط الخارجية ، ستؤدي الى ثلاثة احتمالات مريحة له ولإيران :
الأول ، استمرار التعطيل وتراجع الفرنسيين.
الثاني، تشكيل الحكومة التي يريدها عون، وحصة الثنائي مؤمنة فيها .
الاحتمال الثالث، تشكيل الحكومة التي يريدها ماكرون . وفي الاحتمال الأخير يراهن الحزب على أن ماكرون أقنع الرئيس بايدن بنظرية احتواء الحزب في أي حكومة . كل هذه التجاذبات تحصل فيما بات لبنان على مشارف الجوع المقونن وقد بدأت المنظومة الحاكمة تحضر الناس لرفع الدعم وتركهم طعاما لضباع الأسواق الفالتة. اليوم الخبز وغدا البنزين وبعدهما الدواء، في وقت يسجل نقص حاد في مخزونات المواد الغذائية .
تزامنا ، فيروس كورونا يواصل تحليقه والنظام الاستشفائي ينفجر بآلاف المصابين ، فيما تجد الحكومة نفسها، وقد استنفدت بعشوائية قل نظيرها، كل الهوامش التي منحها إياها الإقفال العام، وصارت ملزمة بتخفيفه تدريجيا . وغني عن القول إن سوء التدبير هو جريمة موصوفة ومكررة إذ لا يعقل أن تضع الحكومة شعبها مرة جديدة أمام احتمالين قاتلين لا ثالث لهما: إما الموت مرضا ، وإما الموت جوعا .. بئس هذا المصير.