بإسم الشعب، ثابتة تعتلي كل الأحكام القضائية منذ القدم ، لكن ما كان لهذا العنوان يوما هذه الرمزية ولا هذه الصدقية كما هو عليه اليوم، على خلفية جريمة الجرائم بل جريمة العصر، تفجير مرفأ بيروت.
ويمكن الجزم بأن أي قاض لم يستند إلى الشعب في لبنان بالقدر الذي يستند إليه المحقق العدلي طارق بيطار. لماذا ؟ لسببين: الأول، أن القضاء اللبناني إغترب طويلا عن الشعب وما عاد ينطق باسمه في لبنان منذ تولت منظومة الفساد الجمهورية، وحولتها مزرعة، ومذ كان لبعض القضاء أكثر من دور في شرعنة الخروج على القانون، وفي حماية الخارجين على القانون وفي اغتيال الحق وأصحابه.
والسبب الثاني، أن بركان المرفأ هو أكبر الجرائم التي تعرض لها لبنان في تاريخه، وأكثرها شيطانية على الإطلاق. فبدلا من اغتيال زعيم سياسي أو افتعال حرب صغيرة أم كبيرة، فجر الإجرام الناس بما هم روح الدولة وعلة وجودها، واغتال بيروت العاصمة تحديدا، بما هي عنوان تلاقي التنوع اللبناني وعنوان هيبة الدولة.
من هنا، أيها القاضي بيطار حملك ثقيل لأنك تحمل حقوق الضحايا وأهلهم وهم استرجاع الدولة الممزقة، لكن في المقابل ما عددناه يخففك ويطلق أشرعتك. بمعنى أدق، إن أردت نزعت عن بيروت وصمة مدينة الفظائع وأعدتها أما للشرائع .. منشان هيك أنا معك وكلنا معك.
ويكبر التحدي أمام بيطار، لأن المنظومة مدعومة من الحزب القائد وإعلامه تتعاطى بعدائية موصوفة معه، موحية بأنها ومن أجل حمايتهم هي مستعدة لترفيع أفرادها الملاحقين الى مصاف القديسين إن لزم الأمر، تماما كما تعاطت مع المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه.
على خط التشكيل الوضع ليس أفضل، فالتراشق العنيف بين “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” أودى بالآمال الضعيفة التي بانت خجولة من التحركات الدولية-العربية الساعية الى انقاذ لبنان، من خلال تشكيل حكومة. في السياق ذكرت المركزية ان الرئيس الحريري المتوجه الى القاهرة، سيستمزج رأي الرئيس السيسي قبل أن يعود بيروت فبعبدا، حيث يسلم الرئيس عون تشكيلته الحكومية المتوافق عليها مع الثنائي الشيعي، إن أعجبت الرئيس وقعها، وإن أحجم يتخذ الحريري موقفه النهائي من التكليف.
توازيا فوجىء الوسط السياسي عموما، والسني المستقبلي خصوصا، بموقف عال للبطريرك الراعي توجه فيه الى الرئيس الحريري قائلا بأن “التكليف لا يعني تكليفا ابديا”. الخطوة التي لقيت ردودا عنيفة من بعض قيادات المستقبل، مرشحة للتطور إن لم يضبطها الحريري، هذا إن لم ينضم اليها على طريقته، هو الذي لم يكن يتوقع هذ اللسعة من الراعي.
لبنان في هذه الأثناء، بلا كهرباء ولا ماء ولا استشفاء ولا محروقات، والدولار يتراقص حول رقم العشرين ألفا مقابل الليرة البائسة المترنحة، متسببا بالتكافل مع إجرام المنظومة وإنكارها بتجويع اللبنانيين وقتلهم، لعدم توفر أبسط انواع الدواء.