يا أركان المنظومة، لا تحسبوا أن كثافة الاهتمام الدولي بلبنان، من تقرير الFBI حول نيترات المرفأ، إلى العقوبات الأوروبية على المسؤولين اللبنانيين الفاسدين والمقصرين، والذي حظي إطارها التنفيذي بإجماع الإتحاد، إلى تأييد واشنطن الخطوة واستعدادها للمؤازرة، وصولا إلى مؤتمر باريس لدعم لبنان، والذي تعمدت الإدارة الفرنسية عقده بالتزامن مع الذكرى الأولى لبركان الرابع من آب.
لا تحسبوا يا أهل المنظومة، أن في الأمر مؤامرة كونية عليكم، بل إقرأوه بغرائزكم المسنونة، ومن زوايا مصالحكم التي تعلو كل مصلحة، لأنكم في حسن قراءتكم إياه تكونوا اشتريتم لأنفسكم عمرا مستقطعا ثمينا في السلطة. وإن قرأتموه بعين متعجرفة متعالية تكونوا أفسدتم هذه الفرصة.
فالدعوات الدولية إلى تغيير السلوك والجنوح نحو الإصلاح ومحاربة الفساد وعدم تسليم مقدرات الأمن القومي والسيادة للدويلة، وعدم ضرب مقومات لبنان الإقتصادية والمالية وصولا الى اغتيال رسالته وعلة وجوده، هذه الدعوة تبطن قبولا مرحليا بكم في ظل عدم توفر البديل الجاهز الذي يتولى دفة البلاد، أقله حتى موعد الإنتخابات النيابية.
علما بأن المجتمع الدولي نفسه أفهمكم، أنه بات جاهزا للتحرك لمعاقبتكم وعزلكم ورذلكم، كما بات جاهزا للتعاطي مع المجتمع المدني والقوى الثورية الناشطة للتغيير، وإن من زاوية تمهيدية تبدأ أوليا ومرحليا بالتحاور معها قانونيا ودبلوماسيا بصفتها القوى البديلة، وإنسانيا من خلال تسليمها الإشراف على المساعدات الإنسانية التي سيخصصها، لمنع سقوط اللبنانيين فرائس المجاعة والمرض والموت.
والى أهل المنظومة أيضا وأيضا، لا تحسبوا الغضب الشعبي المتجمع في الصدور، نتيجة إهمالكم المتمادي لأمور الناس من أبسطها الى أكثرها تعقيدا، وقد أذقتموهم أبشع أنواع الذل والجوع والعوز والقهر، لا تحسبوا هذا الغضب مؤامرة تحركها السفارات لضرب إنجازاتكم العظيمة، وانتبهوا جيدا الى كيفية قراءة ما يحصل، فهو ليس ابن ساعته، وقد تلقيتم من الناس ملايين رسائل الغضب والدعوات المحقة الى التصحيح.
والأغرب أن ما هو مطلوب منكم واضح وبسيط: حققوا العدالة في قضية المرفأ، اتركوا المحقق العدلي يعمل، وشكلوا حكومة ترضي الناس والمجتمع الدولي، فهل هذا كثير؟. طبعا لا.
أخيرا إحذروا كوكتيل القهر الشعبي الذي صبت روافده في العنبر رقم 12، الذي سيتفجر بعد أيام في الرابع من آب، ولا تعتبروا أن انصياعكم الكلامي والمتأخر للعدالة، وقبولكم المثول أمام القاضي بيطار سيبقى من دون متابعة لصيقة من الناس.
على أرض الواقع، الإثنين ستجيب السلطة إن كانت تلقت إيجابا الرسالتين الداخلية والدولية، والجواب منتظر من اللقاء المفصلي بين الرئيس عون والرئيس ميقاتي الإثنين: تشكيل أو لا تشكيل. فالناس سئمت تناتش الحقائب على سطح سفينة الوطن الغارق ولن تسكت ولن تسامح.
وسط هذه العبثيات القاتلة حل عيد الجيش، وانهالت عليه خطب الرياء ورسائل الدجل ممن جوع ضباطه وجنوده وممن حمله تبعات فجوره السياسي وإخفاقاته في إدارة الخير العام، وجعله في مواجهة ناسه وأهله، وممن ينتزع منه حقه الحصري بالدفاع عن السيادة. يا أركان المنظومة، هدية واحدة يطلبها الجيش منكم، اصمتوا وارحلوا.