إنتهت الحكومة من صوغ بيانها الوزاري، ورمت مسودته أم صيغته النهائية لاختبار ردات الفعل، وقد أتتها الردود بمجملها سلبية، وعلى كل أبواب البيان. وجاء تباطؤ الحكومة في نقله سريعا الى مجلس الوزراء للمصادقة عليه، فمجلس النواب لنيل الثقة، جاء ليؤكد أنها إن مررته لدى الأكثرية النيابية الهزيلة، وهذا في خانة المحسوم فإنها لن تستطيع تبليعه لا للناس المنتفضين ولا للأسرتين العربية والدولية، والأدهى أن البيان لم يلق قبولا من عرابي الحكومة الذين يتمثلون فيها وفي لجنة الصياغة عبر وزرائهم المقنعين.
وخير دليلٍ على صحة هذا الكلام هو الإنتقاد المباشر الذي وجهه الرئيس بري في لقاء الأربعاء الى مشروع إصلاح قطاع الكهرباء، وقد سأل لماذا لم تعتمد الحكومة نموذج كهرباء زحلة، وفي السياق رأى المراقبون أن نقد بري يتعدى الجانب التقني ليلامس الجانب السياسي، والكل يعرف أن الولي الوصي على هذا القطاع هو التيار الوطني الحر، وتحديدا رئيسه جبران باسيل الذي يتولى أحد التقنيين المقربين منه حقيبة الطاقة.
والخطر في أداء الحكومة أنها انكشفت أمام الناس والعالم بأنها بين إرضاء ضميرها وإسترضاء من الفها وكلفها ، فضلت الفريق الثاني.
وامام العجز عن انجاز البيان الذي يعالج الجروح العميقة التي تهشم الجسد الاقتصادي والتقرحات المالية والمصائب الاجتماعية التي تضرب النموذج اللبناني الفريد في شكل عام، يلجأ عرابو الحكومة الى استلال العصي والهراوات والقضاء لمعاقبة الناس المنتفضين، علما بأنها تعلم أن هذه الوسيلة إن نجحت، وهي لن تنجح، لأن الناس تمردوا على الخوف وعلى السجن وعلى السجان، فإنها حتما لن تمر مع الأسرتين العربية والدولية. فالأولى، عبرت بوضوح وصراحة وبشتى الاشارات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية، أنها لن تساعد لبنان إن لم يعتمد الشفافية في إدارة مؤسساته ومشاري، والأهم، إن هو لم يعلن صراحة انتماءه الى العائلة العربية.
والثانية، أي الأسرة الدو، ما انفك ممثلوها في لبنان يرددون النصيحة نفسها وقد كررها يان كوبيتش، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، اليوم ايضا وبالثلاثة: الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح سبيلا وحيدا لمساعدته، وإصراره نابع من عدم رضاه عن البيان الوزاري.
في انتظار مجلس الوزراء الخميس، وجلسة الثقة المتوقعة بدءا من الثلثاء المقبل، وما بينهما من ثورات شعبية تتحضر، لبنان يهتز تحت ضربات الأزمات المالية والاقتصادية، التي تأتي على قدرات الناس وعلى مصادر رزقهم وعلى آمالهم بلبنان الوطن الآمن المزدهر، لا لبنان مقبرة الأحلام ورصيف السفر