14 شباط بدا مختلفا جدا هذه السنة وذا طابع خاص. محبو الرئيس الشهيد رفيق الحريري تجمعوا بعفوية حول الضريح. لم يكونوا منظمين، ولم يأتوا من مناطقهم بباصات وفانات معدة سلفا. مع ذلك كانوا كثرا، كأن التطورات السياسية وخصوصا تلك التي يشهدها الشارع السني استنهضتهم عفويا ومن دون تخطيط مسبق. واستكمل المشهد بالإطلالة العائلية للرئيس سعد الحريري. إذ للمرة الاولى يقرأ رئيس الحكومة السابق الفاتحة أمام ضريح والده وإلى جانبه ثلاثة من أفراد العائلة، إضافة إلى إبنة الشهيد جبران تويني.
الحزن سيد الموقف، وهو حزن مزدوج: على رفيق الحريري ورفاقه الشهداء، وعلى الحال التي وصلت إليها الحريرية السياسية بعد سبعة عشر عاما على اغتيال مؤسسها ومطلقها. والأهم والأبرز في المشهد أن الصمت كان أبلغ من الكلام. فلا كلمات ولا خطب ما أوحى خطأ أن الحريري بدأ الصمت الإنتخابي من الآن، بعدما علق عمله السياسي وأخرج نفسه وتياره من الحياة السياسية اليومية. لكن الدردشة التي أجراها الحريري مع الصحافيين بعد انتهاء المناسبة في بيت الوسط رفعت الحظر عن الكلام المباح وغير المباح، وأوحت أن الحريري وإن علق عمله السياسي، فإنه سيبقى في قلب المشهد السياسي في انتظار ظروف أخرى، أو حتى في انتظار قرار آخر، لا يدري أحد إن كان سيأتي أو لا.
ابرز ما قاله الحريري في الدردشة هو الشق المتعلق بالرئيس ميشال عون وبحزب الله. فالحريري قال ردا على سؤال: “ليه حدا مصدق انو ميشال عون موجود؟ بس في حزب الله، وهوي بيعتبر حالو بيفهم بكل شي حتى بقضايا المال والنقد”. والحريري في ما قاله وصف مشكلة لبنان على حقيقتها. وهو امر تأكد اليوم عبر ما حصل في الضاحية الجنوبية. فرغم كل الكلام الرسمي عن منع قوى المعارضة البحرينية من تنظيم مؤتمر في بيروت، فان المؤتمر انعقد من دون ان تتمكن السلطة الشرعية من فعل اي شيء. فالدولة صارت بعد ما حصل مجرد ظاهرة صوتية، فهي يمكنها ان تعبر عن رأيها لكن القرار الحقيقي والفعلي عند حزب الله.
هكذا، وفي الذكرى السابعة عشرة لاغتيال رفيق الحريري يتأكد مرة جديدة ان الدماء التي اهدرت لم تحقق بعد الدولة المنشودة. صحيح انها حررت لبنان من الجيش السوري، لكنها لم تتمكن حتى الان من تحريره من النفوذ الايراني المتمدد بواسطة سلاح حزب الله. لذلك ايها اللبنانيون، انتم مدعوون في الخامس من ايار الى ممارسة حقكم الانتخابي والوطني. فكونوا على قدر المسؤولية في محاربة المنظومة الحاكمة المتحكمة بواسطة السلاح وحزبه، واوعا ترجعو تنتخبون هني ذاتن!