في السابع والعشرين من ايلول الفائت اغتيل حسن نصر الله، وفي السابع والعشرين من تشرين الثاني ولد اتفاق وقف اطلاق النار. الأكيد ان تشابه الرقمين ليس مقصودا ولا متعمدا، لكن الاكيد ايضا ان الشهرين الكاملين اللذين انقضيا انهيا مرحلة في تاريخ لبنان لتبدأ مرحلة جديدة.
فالمعادلات القائمة منذ سنوات تغيرت في الستين يوما المنصرمة، والتوازنات تبدلت، بحيث ان مشهدا جديدا بدأ يرتسم منذ الرابعة من فجر اليوم، اي مع بدء سريان وقف النار.
وبمعزل عن حسابات الربح والخسارة، وادعاءات النصر او التبرؤ من الهزيمة، فالواضح ان لبنان امام يوم آخر. واذا كانت الستون يوما الفائتة هي ايام للحرب والقتل والدمار، فان الايام الستين الآتية يمكن ان تكون ايام التأسيس للبنان جديد.
فمعظم اللبنانيين تعبوا من المغامرات الفاشلة ومن الرهانات القاتلة، كما تعبوا من ربط مصيرهم بصراعات الاقليم، ومن جر الوطن الصغير وراء اوهام الامبراطوريات الكبيرة.
وكل هذه الامور برزت بشكل او بآخر في الكلمة التاريخية التي وجهها الرئيس نبيه بري الى اللبنانيين اليوم. وهي كلمة بنفس لبناني صاف، ممهورة بتوقيع رجل دولة من الطراز الاول. فرئيس مجلس النواب لم يقرأ الحاضر والمستقبل لا بعيني الماضي، ولا بعيني طائفة او حزب، بل بعيني التائق الى دولة ووطن.
لقد اعتبر ان اللبنانيين عموما واللبنانيين الشيعة خصوصا امام امتحان بعناوين كثيرة أبرزها: كيف ننقذ لبنان؟ وكيف نبنيه؟ وكيف نعيد الحياة الى مؤسساته الدستورية وفي مقدمها الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، باعتبار ان اللحظة هي لحظة تحمل المسؤولية في التلاقي من اجل لبنان ومن أجل الانسان؟
انها نقاط مصيرية وكبيرة طرحها الرئيس بري على اللبنانيين وعلى الشيعة، وهي اسئلة لا تحتمل الا جوابا واحدا: العودة الى الدولة. فهل يلتف اللبنانيون حول مؤسساتهم الدستورية وحول قواهم العسكرية الشرعية وحول الشرعيتين العربية والدولية ليبدأوا رحلة العودة الى الدولة من جديد؟
اذا فعلوا ذلك فان مستقبلا زاهرا ومضيئا ينتظرهم. اما اذا لم يفعلوا فانهم يضيعون فرصة تاريخية جديدة قد لا تتكرر. فهل يحزم اللبنانيون امرهم قبل ان يتحول وطنهم وطنا خارج التاريخ والجغرافيا، وقبل ان تصبح دولتهم دولة مستحيلة؟
البداية من رحلة العودة للنازحين الى مناطقهم بعيد اعلان بدء سريان اتفاق الهدنة. فكيف تبدو المشهدية في المناطق الجنوبية؟.