ماذا حصل بين الامس واليوم؟ ولماذا حوار جنيف الذي كان مرحبا به لبنانيا اضحى مرذولا من قسم لا بأس به من القوى السياسية في لبنان؟ بعبارة واحدة: فتش عن الطائف. فالسفارة السويسرية عمدت الى الغاء العشاء السياسي الذي كان مقررا الثلثاء في منزل السفيرة لسببين: ظاهر وخفي.
السبب الظاهر خوف بعض القوى السياسية ان يكون كل القصد من الحوار في جنيف ضرب اتفاق الطائف، او على الاقل التلاعب ببعض بنوده ومندرجاته. اما السبب الخفي فلأن كشف ال “ام تي في” لائحة المدعوين الى العشاء اثار الكثير من ردود الفعل السلبية، فتصاعد الاعتراض عند قوى كثيرة لأنها همشت او الغيت من معادلة الحوار . فهل تأجيل العشاء هو تأجيل تقني لاعادة ترتيب الدعوات وتصحيحها، ام ان التأجيل كلمة ملطفة لعبارة الغاء ؟ واذا كان هذا هو مصير العشاء، فماذا عن النقاشات التشاورية المقررة في جنيف؟ هل ستنعقد هذه اللقاءات في تشرين الثاني ام انها سترجأ، ما يجعل مصيرها مشابها لمصير العشاء؟
على الصعيد الحكومي المساعي مستمرة لازالة الجليد على طريق بعبدا- السراي. ولفتت اليوم زيارة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الى السراي ، حيث التقى رئيس الحكومة المكلف. لكن رغم المساعي المبذولة فان التشكيلة الحكومية لا يبدو انها ستخرج قريبا من عنق الزجاجة، اذ ان معظم الافرقاء يتبعون سياسة حافة الهاوية، وهم على الارجح ينتظرون الايام الاخيرة من العهد لانجاز التشكيلة، هذا اذا تمكنوا او مكنتهم الظروف المعقدة والعوامل المتداخلة من ذلك.
توازيا، استعاد اللبنانيون ذكرى ثورة 17 تشرين، التي شكلت منعطفا في تاريخ لبنان. صحيح ان الثورة لم تحقق اهدافها لاسباب كثيرة لا مجال لتعدادها الان، لكن الاكيد انها حققت امرا واحدا على الاقل: خلقت رأيا عاما ينتقد بقوة ويسائل ويحاسب، ما جعل اركان المنظومة اقل وقاحة في اعمالهم وصفقاتهم وسمسراتهم. والامل ان تبقى شعلة الثورة متقدة، عل الحلم ببناء دولة حقيقية يتجسد ، ولا يبقى حلما ممنوعا من التحقق ومشروعا مستحيلا.