لجوء رئيس الجمهورية إلى الإستخدام المفرط للمجلس الأعلى للدفاع كبديل من عدم القدرة أو عدم الرغبة في تشكيل حكومة، إضافة إلى مسعى عون أمس غير الموفق لاستنهاض حكومة حسان دياب المستقيلة، أثارا غضب الرئيس ميقاتي والبيئة السنية، لكنهما لم يحولا دون توجه الرئيس المكلف إلى بعبدا اليوم في زيارة بعيدة من الأضواء، وقد دفعه إلى الخطوة سببان: الأول، متابعة دوزنة الإطار الأولي المتعلق بتوزيع الحقائب الثانوية، ومحاولة مقاربة الوزارات السيادية المفخخة بألف لغم، خصوصا حقيبتا الداخلية والعدل، وقد طرأت شروط جديدة على عملية التأليف من خارج فريقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف اعتبراها تعجيزية وقد تؤخر الأمور الى المربع الأول.
الثاني، استيعاب استفزازت عون وباسيل والظهور شعبيا في موقع أعلى من العنعنات الصغيرة، في وقت وصلت البلاد إلى الدرك الأسفل وبلغ مركب الوطن نقطة الارتطام الكبير.
لكن هذه المحاولات لا تعني مطلقا أن الأمور مسهلة وبأن مسعى ميقاتي توصل إلى تسريع التشكيل أو ثني عون عن مواصلة السير في الخط المعاكس عبر إحياء حكومة دياب. فبيان الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر”، السبت، وهو رجع الصدى الحقيقي لما يضمره عون وباسيل، دعا صراحة حسان دياب إلى العودة عن قراره وعقد جلسة استثنائية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الانفجار. وفي الدعوة تجاهل لدور ميقاتي واتهام له بالتقصير عن القيام بدوره، فيما القاصي والداني يعرفان بأن تسهيل باسيل التشكيل أوجب وأفعل وأسهل من نطح الجدار السني في نقطته الأقوى. وكأنه لا يدري أو لا يريد أن يعترف أن الناس الغاضبين الجائعين يحملونه النسبة الأكبر من مسؤولية استعصاء التشكيل.
السياق الصدامي التعطيلي نفسه، كان أخرج حاكم المركزي رياض سلامة عن طوره، هو الذي اشتهر بانضباطه وانتقائه الدقيق لمفرداته، فطير عبر “لبنان الحر” كل أوراق التين وكشف المستور، إذ اتهم سيد العهد وصهره والحكومة والمنظومة المتحكمة بالقرار، بالكذب على الناس من خلال تصويره وكأنه هو من انفرد بقرار رفع الدعم وبأنه المستبد الذي يقرر السياسة المالية والنقدية ومصائر الناس، واختصر غضبه بالقول: أنا حاكم المركزي لكن جبران باسيل هو حاكم البلاد.
وفيما السجالات البيزنطية تستعر فوق السطوح بين أهل المنظومة، لبنان بناسه وشعبه ومناطقه يشتعل مهزوما مقهورا مفككا جائعا الى كل شيء، من قطرة البنزين ونقطة المازوت ونسمة الغاز وصولا الى رغيف الخبز وحبة الدواء. لبنان ايها الأشرار رجع بفعل عنادكم وإجرامكم الى ما قبل العصر الحجري في اقل من أربع وعشرين ساعة، هذا الشعب الأبي الكريم عزيز النفس، بفقرائه ومتوسطي دخله وأغنيائه، ما عدا قلة محظية من حاشية المنظومة طبعا، بات في الشارع يهيم باحثا عن كل شيء بعدما خسرتموه كل شيء، يقتل ويقتل من أجل تأمين الحد الأدنى من أدنى احتياجاته الأساسية.
أيها المجرمون! في عهدكم، اللبناني صار يسأل عن قنديل الزيت والشموع لإنارة لياليه ويبيت في الشوارع وعلى السطوح للإبتراد، ويفتش عن الأعشاب الطبية والصاج والخميرة والطحين والعجين والحطب وكيفية بناء المواقد بدلا من مد الموائد. وإذا خرجنا من هذا الخراب يوما، وسنخرج حتما، بالله عليكم أيها اللبنانيون، ما تنسوا تروحوا تنتخبوهن هني ذاتن.