كأنه لا يكفي اللبنانين الغرقُ في بحر همومهم الواسع حتى يأتيَ الغرقُ في بحر الهجرة من نار الحرمان مهما كانت توصيفاتُ الهجرة…
ستون شخصاً… وربما سبعون… وربما أكثر… رجالاً ونساءً وأطفالاً حاولوا الإفلات من جحيم بلدهم باتجاه بلاد الله الواسعة فكانت المأساة… مأساة الفقر والبحر.
نحوُ سبعةٍ واربعين شخصاً أنقذتهم القوات البحرية التابعة للجيش فيما انتشلت خمس جثث تعود إحداها لطفلة لا يتجاوز عمرها سنة ونصف سنة وتواصِلُ البحث عن مفقودين آخرين.
في الرواية الرسمية التي قدمها الجيش اللبناني أن قائد المركب حاول الهرب بعد انطلاقه من شاطئ القلمون فارتطم بزورق للقوات البحرية ناهيك عن كون حمولته كانت تفوق الحمولة المسموحة بها بخمسة عشر ضعفاً نافياً حصول أي خطأ تقني تجاه المركب.
في مقابل رواية الجيش ضخٌ لروايات بدا الكثير منها لا صدقية لها ولا تمت إلى الواقع بصلة. لكن الجيش اللبناني أكد أنه يقوم بتحقيق شفاف قائلاً إنه إذا كان ثمة أحد قد أخطأ نحاسبه.
مأساة ركاب المركب حصدت تعاطفاً شعبياً واسعاً واستنفاراً رسمياً عكسه خصوصاً الإعلان عن حداد رسمي غداً كما عكسه رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة الذين أجمعوا على ضرورة التحقيق في ملابسات ما حصل.
على أن العزاء الحقيقي في هذه اللحظات الحزينة أن يسمع جميع المسؤولين على جميع مواقعهم خاصة من هم في السلطة التنفيذية لصوت ابناء طرابلس والشمال المفجوعين بفلذات أكبادهم من أجل مقاربةٍ حقيقية تضع حداً لحرمان هذه المنطقة العزيزة وإنقاذ ابنائها الشرفاء من مصيدة الموت المجاني على ما قال الرئيس نبيه بري في بيان عزَى فيه بالضحايا.