ما كان في السر ظل سرا.. وتمكنت السعودية بتغريدة واحدة لوزير خارجيتها من أن تسقط كل الأنباء الواردة على شكل تسريبات مسيرة من مطار بن غوريون الى نيوم، فبالنسبة إلى المملكة صاحبة مباردة السلام العربية عام ألفين واثنين، لقاء بنيامين نتنياهو وولي العهد محمد بن سلمان هو اجتماع مزعوم، ولم يحدث.
وقال وزير الخارجية فيصل بن فرحان: “إن المسؤولين الذين حضروا كانوا أمريكيين وسعوديين وحسب”. تغريدة فرحان نغصت على الإسرائيلي فرحته التي عبر عنها بدفق من التسريب والتأكيد والتبني وتوزيع المصادر إعلاميا وسياسيا وعسكريا، ولم تعدم المؤسسات الاسرائيلية وسيلة لتأكيد حصول اللقاء من المدة التي استغرقها الى الحضور والإقلاع والطائرة السرية التي أقلت الوفد، وصولا إلى السماح بنشر الخبر من قبل الرقابة العسكرية.
امتنع نتنياهو عن التعليق، لكن الإذاعة الإسرائيلية نقلت النبأ عن مسؤول كبير في الحكومة لم تذكر اسمه، وفي مثل هذه الحالة غالبا ما يكون المسرب هو نتنياهو نفسه، فيما امتعض وزير حربه باني غنتس، معتبرا أن التسريب “أمر غير مسؤول ومثير للقلق” وسوف تكتفي إسرائيل بهذا القدر من المعطيات، بعدما حققت أهدافها بكسر المحرمات وبطرح خبر للتداول، وإن نفاه صاحب الشأن، وإلى أن تقدم تل أبيب أدلتها وتقيم حجتها فإن السعودية هي اليوم في موقع تكذيب إسرائيل، ولو عبر تغريدة غير قابلة للحذف.
وسواء لناحية استكمال مراحل التطبيع المؤجل، أو فيما يتعلق بقرع طبول الحرب في المنطقة، فإن العالم كله لن يتحرك قبل حفل تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن في العشرين من كانون الثاني المقبل، وإلى ما بعد هذا التاريخ فإن التهويل يضرب في كل اتجاه وسط مرحلة عض الأصابع التي تشهد على عدد من المراهنات، لكن لبنان هو أول من يؤلمه الانتظار، إذ إن الوقت يمر من محفظته المالية والاقتصادية ومن أرواح بنيه، التي أصبحت على نفس أخير، ومع ذلك فإن سلطته منها من يراهن على إيراني ينتظر ضربة عسكرية.. ومنها من يترقب نهاية الأميركي وجنوح ترامب نحو الهلاك، وهذه الرهانات تجري من دون تيقن ما إذا كان جو بايدن مهتما ببلاد إسمها لبنان، أم سيلزم المهمة للفرنسي إيمانويل ماكرون المتعهد أيضا لدور على الخطوة السعودية الأميركية.
وفي فراغ لبناني قاتل وفاصل عن التأليف، يمسي رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ويصبح على معادلة: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا.. فيما تعمل البقية لآخرتنا كأنا سنموت غدا، وهي على هذه الحال باتت حكومة تصريف أعمار على حد وصف الشاعر شوقي بزيع، ووسط أزمة أطبقت على اللبنانيين، لا أحد يفكر في الحل إلا من زاويته إذ بات مصطلح وحدة المعايير عصيا على التعريف، كحال تعريف الإرهاب في العالم.
أما رئيس الجمهورية ميشال عون فهو قرر بعد دخوله السنة الخامسة من الحكم، أن يقلب هذه المعايير ويعلن المواجهة ويطلق حروب التحرير، وهي حروب يخوضها ميشال عون ضد الجنرال ميشال عون وفي وجه فاسدين تعايش وأقام المساكنة السياسية معهم، والرد على عون كان اليوم من قاذفات كل من أمل والقوات، لا سيما لناحية اتهام مجلس النواب بالتقاعس عن إقرار القوانين الإصلاحية، وحقيقة الأمر أن طرفي مجلس النواب ورئاسة الجمهورية يتشاركان في هذا التقاعس بالمقدار نفسه.
فرئيس المجلس يتولى إفراغ القوانين الإصلاحية من مضامينها، ورئيس الجمهورية لا يوقع على المراسيم التطبيقية، والجبتهان هما في حرب على الشعب اللبناني وكلاهما لا يريد قوانين إصلاحية أو تدقيقا جنائيا، لأن هذا التدقيق ستتضرر منه الطبقة السياسية، على حد وصف النائب جميل السيد للجديد اليوم.
وعلى الرغم من كل هذا الانهيار، فإن الرئيس عون سيبدأ المواجهة الكبرى ولم يعرف ما اذا كانت ستنطلق عبر منصة قاذفات ال “بي ففتي تو” من قصر بعبدا، فالرئيس يعلنها حربا بعد أن انهكت قواه.. يريد ثلثا معطلا.. بعدما تعطل ثلثه الذي كان يوما .. ضامنا.