عملا بالتوقيت الصيفي، فإن الساعة لدينا لا تقدم ولا تؤخر، ومن يتحكم بمسارها ومسارنا عقارب الزمن من الكبير إلى الصغير. وتقديم الساعة ستين دقيقة هذه الليلة سيدخل في عداد الوقت المهدور، وإن أطلت أيامه من صوب الأعياد. فلا الرئيس المكلف سيحمل غصن زيتون ولا الرئيس الظل سيفرش سعف النخيل والشعنينة المباركة، سيليها أسبوع الآلام بجمعته الحزينة قبل أحد القيامة.
لبنان في الفصح المجيد على حاله، مصلوب ومنهوب. وبعد أشهر من إضاعة الوقت في المعايير والثلث الضامن وأخواته من عائلة النصف زائد واحدا، رمى جبران باسيل بضاعة جديدة في سوق التأليف. ومن اجتماع المجلس السياسي طرح معادلة تعطيل جديدة، إذ رفض إعطاء الرئيس المكلف وفريقه النصف زائدا واحدا في الحكومة، لأنه “سيستعمله لمنع الإصلاح وتعطيل التدقيق الجنائي وفرملة كل محاولات محاربة الفساد”.
طرح باسيل لاءاته الجديدة في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري، لا مشاركة في الحكومة لا ثقة ولا نصف زائد واحدا، وكاد جبران المريب يقول خذوني. في حرب التيارين بمجلسيهما العسكري، البيان بالبيان والبادي أظلم. فقد ابتدع “التيار الوطني الحر” حرة السياسية وقلب التهمة اللصيقة به وجيرها الى الرئيس المكلف، وحذر المجلس السياسي من “خطر المنحى الإقصائي للحريري في تعامله مع رئيس الجمهورية والكتل البرلمانية”، ورأى في هذا السلوك “رغبة واضحة في أن يسمي بنفسه الوزراء المسيحيين فيكون له نصف أعضاء الحكومة زائدا واحدا.
ورد المكتب السياسي ل- “تيار المستقبل” متهما باسيل بالإصرار على “تطييف الأزْمة الحكومية وتغليفها بشروط تتلاعب على الوتر الطائفي وحقوق المسيحيين، وأنه نسي أو تناسى المعايير التي جرى الاتفاق عليها في قصر الصنوبر”، واتهمه ب- “اللعب على حافة التحريض الطائفي والقفز من معيار إلى معيار، ليضمن الوصول إلى الثلث المعطل ويخترع للرأي العام اللبناني حجة جديدة، وبعبعا سياسيا اسمه نصف زائد واحدا للرئيس المكلف”.
التيار الأزرق قصف جبهة ميرنا الشالوحي بسلاح المهارات التي يستخدمها باسيل، للتحايل على اللبنانيين فهو يرفض المشاركة في الحكومة ثم يحدد المعايير لتأليفها، ويبرر لرئيس الجمهورية المطالبة بالثلث المعطل، وينصب نفسه وليا حصريا على حقوق الطوائف المسيحية، ثم يلوح للرئيس المكلف بأنه لن يعطي الحكومة الثقة. وختم بيان “المستقبل” بالقول: “نتفهم التخبط الذي يعانيه جبران، لكننا لا نتفهم أن يعتبر القرار السياسي لرئاسة الجمهورية خاتما في إصبعه.
التعليق على التيارين لا يلغي حقيقة أن الأزمة استفحلت بين أولياء التشكيل، وأن كل ما يحكى عن مبادرات وتسويات لا تعدو كونه جوجلة أفكار وهروبا إلى الأمام، ومراوحة في المكان لأن الضوء الأخضر للتأليف في غير مكان، وما يصيبنا إلا ما رسم الآخر لنا. سفراء كبرى الدول جالوا والتقوا وتحدثوا عن اللا حل، إلا بالتسوية ومن ساوى لبنان بحرب اليمن ما ظلم، فهناك على تلك الأرض الساخنة جهود أممية وعربية وخليجية بذلت مع الحوثيين لم تؤت ثمارها في وقف نزيف الحرب.
وما بين اليمن ولبنان، تقع إيران، ومن هذا المثلث كان موقف سعودي من المختارة حيث جال السفير وليد البخاري في أروقة القصر، ومن مضافة وليد جنبلاط قال: “إننا نقف أمام مسؤولية تاريخية مشتركة، لنؤكد أننا مع عروبة لبنان وأننا كنا وسنبقى عربا مسيحيين ومسلمين”. وشدد البخاري على أن “لوثة القوى الظلامية تقتات على إلقاء مسؤولية خياراتها السياسية على جهات خارجية هروبا من الفشل”.
جولة البخاري على المرجعيات وبينها جنبلاط، اتخذت اليمن منصة لانطلاقتها. أما الجولات على منصة التأليف فقد حاولت البحث عن خيط مفقود. ومن ضمن المساعي ما بادر اليه النائب ابراهيم كنعان الذي اجتمع برئيس الجمهورية ميشال عون، ورتب بعض المصطلحات لتعريبها في بكركي، على أن يعود الى لقاء عون مجددا غدا. يحاول كنعان جمع الشتات السياسي لتكوين تصور مشترك سماه المقبول، لكن تحرك رئيس لجنة المال والموازنة سيكون له موازنة ملحقة، وأبواب تصريف داخل “التيار” نفسه، فهل يتمكن كنعان من انجاز مشروعه أم سيحال الى اللجان الباسيلية المشتركة؟.
ومن مسعى إبراهيم “التيار” الى مهمة إبراهيم الفرنسية، حيث غادر المدير العام للأمن العام الى باريس في زيارة بحث وتحر عن المبادرة الفرنسية. والزيارة التي حدد موعدها قبل شهر، والمبنية على دعوة رسمية من نظيره الفرنسي، فإنها ستكون على خطوط ساخنة لبنانيا لتستطلع الأفق ربطا بجولة الرئيس ايمانويل ماكرون على دول الخليج.
واستنادا الى النائب جورج عطالله، فإن رئيس الجمهورية أبلغ اللواء عباس ابراهيم رسميا أنه لا يريد ثلثا معطلا في الحكومة. لكن هذا البلاغ تحول لاحقا الى محضر ضبط قدمه عون شخصيا في ما عرف بلقاء الإثنين الأسود، و”عواميده” الأربعة المرتفعة باتجاه التعطيل.