كل ما أنجزناه أنا غيرنا الرمز من دون المس بالرموز…
ألغينا الصفر الهاتفي وانتقلنا الى الرقم “2”. لكن على الخط السياسي الثابت فإن كل رقم يطيح الآخر… لتسقط الملفات كأحجار الدومينو، وكبيرها يقضم صغيرها، لا الأموال المنهوبة استعادت قرشا… ولا التدقيق الجنائي سمح له بدخول العنابر المالية، فيما استوى ترشيد الدعم للتشريح النيابي، وطرد من الهيكل وبحرب الاستهلاك دفعا نحو الهلاك نصبت الكمائن السياسية على خطين: التحقيقات في جريمة المرفأ وتأليف الحكومة.
وجرى تعطيل المسارين معا، لكن فرحتنا عارمة بأن لبنان “غير” رمزه الهاتفي، وأصبح مستنيرا بمناطق الألياف البصرية…
وما خلا ذلك فإن الرموز السياسية كافة، تعمي الأبصار، وتقطع الأرزاق، وتنصب العداء.
وأحد مظاهر هذا العداء، كان في تعقب رئيس التيار جبران باسيل أثر الرئيس المكلف سعد الحريري، والعمل سريعا لإحباط القنوات التي فتحت من خلال خط بكركي.
فبعد أربع وعشرين ساعة على زيارة الحريري الصرح، كان البطريرك الراعي يبادر إلى لقاء رئيس الجمهورية في بعبدا، ويعلن من هناك أنه لم يلمس من حديثه مع الرئيس ميشال عون تمسكه بالثلث المعطل، بخاصة وأن ثمة اتفاقا على حكومة غير حزبية أو سياسية، فضلا عن أن الثلث المعطل غير موجود في الدستور، وهو دخيل ولا لزوم له.
ولم تمض ساعة على انتهاء زيارة الراعي عون، حتى “فز” جبران باسيل الى بكركي، مزنرا بحزام المعايير الناسف، معلنا أنه توافق مع بكركي على مفهوم المعايير في تأليف الحكومة، وأنه كتيار لم يضع أي شرط على التأليف، سوى أن يتعامل اللبنانيون في شكل متساو، وأن نتبع الدستور والميثاقية والتوازن الوطني، ما يسرع تأليف الحكومة.
وهذه السطور وحدها تستلزم طائفا جديدا لتفسيرها، أو بتبسيط أقل تعقيدا، فإنها تحتاج إلى عوالم الجن والإنس في قمة مجتمعة تحضرها ثلة من المشعوذين في علم المعايير الضاربة لتأليف الحكومات، فمن هو القادر اليوم على تفسير معجم جبران باسيل وسط فقدان “المنجم المغربي” في هذا الزمن الرديء؟ وأي معجزة تفك طلاسم مفردات تبدأ بـ “المفاهيم” ولا تنتهي بالمعايير والتوازن الوطني والميثاقية والبرنامج ووحدة القرار والمبادئ وغيرها من المصطلحات التي لا يفقه باسيل نفسه ماهيتها والأبعد من المصطلحات فإن هناك زيارة قام بها سيد بكركي لرئيس الجمهورية، فلماذا اختار ميشال عون أن يحيل البطريرك الماروني إلى التفاهم مع جبران باسيل؟ ولماذا يصر الرئيس عند كل منعطف على أن يعيد تثبيت مقولة سمير جعجع “قوم بوس تيريز”، التي تسببت بإهدار دم الجمهورية من خلال تعطيل مؤسساتها… واليوم تحقيقاتها.
كاد تدخل البطريرك الراعي أن يصبح مباردة إنقاذية، تعوض غياب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي نجا بأعجوبة من فيروس اللبنانيين، وأرجأ زيارته، لكن رئيس البلاد قرر إيفاد “جائحته” السياسية الى مقر الصرح، محملا بمستوعبات معطلة للتأليف وبمفاعل المعايير النووي الذي بات يستدعي قلق الوكالات الدولية.
حكومة تجنحت… تحقيق المرفأ تخدر قضائيا وسياسيا… لكن المعايير بخير، وبين إياد أمينة وبآياد دستورية… كشف اليوم عن ثغرة جديدة في مرافئ التحقيق العدلي إذ أضاء النائب السابق بطرس حرب على إشكالية المادة التاسعة والستين من الدستور التي تبقي مجلس النواب في حالة انعقاد دائمة ما دامت الحكومة مستقيلة…
وفي حالات الانعقاد وبمعزل عن الدورات العادية والاستشنائية، فإنه لن يحق للقضاء ملاحقة النائب، ومن هنا ربط حرب بين تعطلين اثنين: تشكيل الحكومة وتحقيقات المرفأ فإذا شكلت الحكومة ينتهي الانعقاد الدائم لمجلس النواب ويصبح في الامكان ملاحقة النائب المحصن بموجب المادة الأربعين من الدستور.