نحن هنا في بيروت قادمون إلى الجحيم، فطمئنونا عنكم أنتم في مصياف. فما شهده ليل لبنان لم يكن نجمة الميلاد، ولا هي غزلان الرنة عبرت سماءنا، بل ظهرت الغربان المعادية، فاختالت في الأجواء اللبنانية، وبثت الرعب في قلوب لا تزال تنبض بخوف الرابع من آب.
وصهيل الليل محاه صمت النهار، بحيث لم يرصد أي موقف احتجاجي يحفظ ماء وجه لم يعد موجودا في وجه أي مسؤول. مرت الصواريخ الإسرائيلية مرور اللئام، فداست السيادة اللبنانية بكل حريتها واستقلالها، حاملة نيران صواريخها إلى سوريا، مستطلعة آفاق استدراج إلى حرب في أسابيع الجمر الأخيرة من ولاية دونالد ترامب.
والانتقال المرتقب بدأ جمره يتحرك تحت الرماد الأميركي، إذ شهد اليوم عبورا غير آمن من مدينة ناشفيل في ولاية تينيسي، حيث انفجرت شاحنة مفخخة بفعل فاعل، بحسب تحقيق تجريه الشرطة بمشاركة مكتب ال”أف بي آي”. الانفجار تزامن وسلسلة اجراءات اتخذها الرئيس المنتهية ولايته، والتي تظهر أن خروجه من البيت الأبيض لن يكون بالأمر السهل. وهذا ما نشرته مجلة “نيوزيويك”، نقلا عن ضباط أميركيين أعربوا عن قلقهم من انخراط الجيش في أزمة قد يفتعلها ترامب لقلب نتائج الانتخابات، وربما يحشد ميليشيات خاصة وقوات شبه عسكرية موالية له، لتعطيل الانتقال ونشر العنف في واشنطن.
وسلالة ترامب بات لديها أياما معدودة. أما الأيام اللبنانية فلا تعد ولا تحصى ومفتوحة على المجهول، وهي أبعد من انتقال السلطة الأميركية في العشرين من الشهر القادم. فكل المؤشرات تدل على أن قصتنا طويلة ومعقدة، وأكبر من اسم وحقيبة، وأن مهمة البطريرك الراعي تواجه عصيانا محليا قد يحتجز التأليف حتى آخر العهد.
ولم تجد نفعا كل الأصوات من الخارج، حيث صارت البهدلة عنوان المرحلة، من ماكرون إلى الاتحاد الأوروبي إلى مسؤولين أميركيين إلى قداسة البابا وراعي الرعية، لكن المسؤولين ظنوا أن السماء تمطر فحمل كل منهم مظلته واختبأ خلف هذه الحقيبة وتلك الوزارة، واتخذت هيئة تعطيل التشكيل معايير على وزن باسيل. وتقلد جبران منصب رئيس مصلحة تشخيص النظام في بعبدا، فمن وإلى رئيس الجمهورية، ولم يأتمر بأوامر باسيل، فإلى الحجر الإجباري حتى لو كان من عظام الرقبة.
وضعت الداخلية حجر عثرة في طريق التأليف، أما مسلك العدلية فسالكوه كثر، من رئيس الجمهورية الذي يتمسك بالوزارة لتبقى التشكيلات القضائية رهينة بين يديه، إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي يريد العدل ضمانا لعدم الاستدعاء إلى التحقيق أسوة برئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. وأكثرهم راحة بال هو رئيس مجلس النواب نبيه بري صاحب المقولة الشهيرة: الضعيف يذهب إلى القضاء. فهو خارج القلق طالما أن القاضي علي ابراهيم لم يرم بوردة، وجل ما يفعله فتح مضافة قهوة للوزراء وجمعية المصارف، ليشرب معهم نخب حقوق وأموال المودعين الضائعة.
وبالتكافل والتضامن، يضعون العقدة تلو العقدة على حبل التأليف، إلى أن تأتي ساعة الاتفاق من حيث لا ندري، عندها تقوم للحكومة قيامة ويحيا العدل. حتى اللحظة المسرحية قائمة، اللاعبون على خط الوساطة انكفأوا إلى المقاعد الخلفية. كذبة التفاؤل التي أرغم الحريري على تشييعها بلسان عون، لم تدم أكثر من نصف ساعة، إذ تولت وطاويط باسيل الرابع عشر المزروعة في القصر، إفشال المهمة. “حزب الله” ضالع بالتعطيل، لكنه نأى بنفسه، وهو يجلس على الضفة منتظرا.
المطالبون بإنقاذ لبنان بحت أصواتهم، وتوجتها دعوات بابا روما خلال يومين متتاليين، وأتت بعدها عظة الراعي لتؤكد أن الكيل قد طفح، لكن الحريري متمسك بثلاثيته الذهبية: لا اعتذار ولا تنازل ولا حكومة من غير الاختصاصيين. وقد يكون الحل الوحيد أمامه هو تقديم وزارته للشعب، والشعب سيكون مصدرا للسلطات فعليا هذه المرة، ليصبح السياسيون والقادة من الطفار.
ومن بين حالات الوباء السياسية، سجلت أول حالة مصابة بالطفرة الجديدة من سلالة كورونا. أتت من بريطانيا بلد المنشأ، وحجرت في مسقط رأسها شمال لبنان. وزير الصحة، وفي مقابلة مع “الجديد”، أكد الأمر ولا حول ولا، إذ لا صلاحية لوزارته منفردة بإيقاف الرحلات من بريطانيا، وجل ما في يدها رفع توصية إلى هيئة الكوارث، في بلد اتخذ شكل الكارثة.