قبل مدة، كان يمكن ان يقال إن ما يحدث في لبنان يكاد لا يصدق، أو أنه أقرب إلى الخيال.
أما اليوم، فأقل ما يمكن أن يقال لوصف المشهد بمختلف مندرجاته، هو أننا صرنا فعلا نعيش في بلد من كوكب آخر غير الأرض، ذلك أن كل ما ينطبق على سائر البلدان والمجتمعات من أسس ومعايير، ينطبق عكسه في لبنان.
ففي لبنان اليوم، “البلد ماشي” بلا رئيس وبلا حكومة وبلا مجلس نيابي قادر على ممارسة دوره بالشكل المطلوب.
وفي لبنان اليوم، سعر صرف العملة المحلية ينهار نحو القعر الذي ما بعده قعر، فيما المسؤولون المباشرون عن الأوضاع باقون في مواقعهم، حتى أن البعض يفكر بالتمديد لهم، وصولا إلى طرح أسمائهم في بورصة الترشيحات لرئاسة الجمهورية.
وفي لبنان اليوم، مبدأ عدم المحاسبة هو السائد… فلا ثواب ولا عقاب. أما العدالة، فحلم مسروق، سواء في ملفات الفساد المعروفة، أو في ملف انفجار بحجم انفجار المرفأ. وإذا تدخل قضاء خارجي بموجب معاهدات دولية، يخرج من يزعم الخوف على السيادة، فيما الزحف على اعتاب السفراء عادة لبنانية سيئة لا تعرف التغيير.
فهل من بلد آخر، يخلى فيه سبيل ابرياء، بفعل تناقض قضائي، أو نكايات بين قضاة، لا بفعل القانون والمنطق والحق، كما في لبنان؟
وهل من بلد آخر أصلا، يقبع فيه أشخاص ثلاث سنوات وأكثر في السجون، لا لسبب إلا غياب القاضي القادر على بت اخلاء السبيل، بفعل التناتش السياسي المعروف؟
وهل من بلد آخر أيضا، يوضع فيه أهالي الموقوفين الابرياء في مقابل اهالي الشهداء والضحايا، فيما القضيتان قضية واحدة، هي قضية العدالة والحقيقة؟
في المحصلة، خرج الموقوفون. وبدري ضاهر، عاد حرا. فمبروك الحرية لكل مظلوم، على أمل تحقيق العدالة في ملف انفجار العصر. فمحق اطلاق الموقوفين ظلما لكنه لا يكفي، بل يبقى الاساس كشف حقيقة انفجار المرفأ واحقاق العدالة وبلسمة جراح أهالي الضحايا، كما أعلن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل اليوم، مذكرا أيضا بوجوب كشف مرتكبي سرقة اموال اللبنانيين ومحاسبتهم، ليختم بالقول: لا بد للحقيقة ان تنتصر.