كان وينستون تشرشل يقول عن أحد وزرائه: “يتكلم كثيرا ويتحدث قليلا”. هذا ما ينطبق على الحراك الحكومي راهنا. حركة كبيرة وبركة قليلة. ليست العقدة في المقعد، وليس الوزير السني أو تبادل الحقائب أو الثلث الضامن أو شكل الحكومة، هو الإشكالية. للمرة الأولى يقول رئيس البلاد إن الخلافات في الخيارات السياسية تعرقل تشكيل الحكومة.
وزير الداخلية يتوجه إلى بكركي، أم الموارنة، ليعلن ان السباق على الرئاسة أطلق عفاريت السياسة، ليرد عليه جبران باسيل من المكان عينه أن ربط تشكيل الحكومة بالرئاسة معيب بحق ذكاء اللبنانيين، وأن ما يحصل تناطح سياسي وقضية الثلث الضامن مختلقة.
وبين الخيارات السياسية والخيارات الرئاسية، يغرد وليد جنبلاط خارج الحلقة المفرغة الحكومية، ويوجه اشارات تصالحية إلى أبناء طائفته الموحدين، مرفقة برسائل سياسية تحذر من الفتنة الآتية من الشرق، وليس الشرق الأقصى بالتأكيد، بل من سوريا كما غرد تلميحا وليس تصريحا. الرئيس بري الذي كان أصر منذ شهر على ان المخرج عند رئيس الجمهورية بتوزير السني من حصته، يئس من تكرار المحاولة واكتفى بالدعاء واستنزال بركات السماء لتحويل حكومة تصريف الأعمال إلى حكومة صرف أموال، في ظل سوء الأحوال الحكومية إلى أجل غير مسمى.
في المقابل يحمل “حزب الله” المسؤولية للرئيس المكلف، ويرى ان الكرة في ملعبه والعقدة عنده والحل لديه. في وقت يشن نائب رئيس المجلس النيابي الياس الفرزلي هجوما ناعما لكن واضحا على الحريري، سائلا: “من يسكت نهائيا ولا يقدم أي اقتراح، ماذا يريد؟”.
الخلافات في الخيارات السياسية التي تحدث عنها رئيس الجمهورية، وتلبد الأجواء الحكومية، وتقدم طروحات تفعيل حكومة تصريف الأعمال، لا يعيد الأمور إلى ما قبل اتفاق القاهرة المشؤوم العام 1969، واجتهاد عقد جلسة لاقرار الموازنة، بل يعيد الأمور إلى ما قبل انتخاب الرئيس ميشال عون العام 2016.
انتخاب عون لم يعن عودة المسيحيين إلى الدولة لأنهم كانوا فيها بالأصل، بل كرس عودة المسيحيين إلى السلطة والحكم، مثلهم مثل الباقين، عملا بالميثاقية وتكريسا للوحدة الوطنية.
ما يحصل اليوم- ومع استبعاد سوء الظن المتعمد- هو ليس فقط تكرار محاولات منع مكون كياني من العودة إلى السلطة، بل هو منع السلطة من العودة لهذا المكون ومعه غالبية اللبنانيين التائقين إلى تكريس ما جاء في مقدمة الدستور من ان لا شرعية لأية سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
وإذا كانت الحكومة ليست على الأبواب حاليا، فإن القمة الاقتصادية العربية وراء الباب. غدا اجتماع تحضيري قد يمهد لدعوة سوريا إلى القمة التي هي بالأساس اقتصادية، فتحولت بامتياز سياسية. وقد تكون المدخل للحل والمخرج للأزمة، أو العكس.
المشكلة ظاهرا في مقعد لكن باطنا أبعد.