من الجنوب الى البقاع فجبيل وكسروان والضاحية الجنوبية، الوحش الاسرائيلي يفترس لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فيما العالم بأسره يتفرج على شعب بكامله يدفع بالتهديد بالقتل، إلى مغادرة القرى والمنازل، نحو المجهول، ليخرج بنيامين نتنياهو ويعلن بكل وقاحة أن معركة اسرائيل ليست مع الشعب اللبناني.
فأي عهر هو هذا الذي تعجز الكرة الأرضية كلها عن كبح جماحه، وأي رسوب أخلاقي لدول ورؤساء وقادة، وأي سقوط إنساني لمؤسسات دولية، تم إنشاؤها لأهداف هي أبعد ما يكون عنها اليوم، “فالأمم المتحدة التي حلت محل عصبة الأمم، عاجزة عن وقف المسلخ البشري الذي افتتحته إسرائيل منذ أكثر من عشرة أشهر، والتاريخ يعيد نفسه كما في بيت لحم عندما ذبح هيرودوس الأطفال ليقضي على يسوع قبل أن يكبر، فيما العالم يتفرج. لم يتمكن مجلس الأمن من فرض وقف لإطلاق النار، ومزق مندوب إسرائيل ميثاق الأمم المتحدة، ولم تجرؤ المحكمة الجنائية على أن تقول لإسرائيل: يا محلا الكحل بعيونك.
الأمم المتحدة انتهت، ونحن فعليا اليوم نعيش نوعا من حرب عالمية ثالثة. وفي منطقتنا النار في كل مكان، ولبنان اليوم في وسط الحرب، والكلام للرئيس العماد ميشال عون في 29 آب الماضي، حيث قال: خشيتي نابعة من أن هذه الحرب تبدو بالنسبة إلي حربا بغطاء دولي واسع، فرغم التعاطف العالمي على المستوى الشعبي مع مأساة الفلسطينيين في غزة، لم تقدم أي من الدول الفاعلة على إدانة إسرائيل ولم تلوح أي منها على الأقل بخفض مستوى العلاقات معها.
ويبدو كما لو أن الجميع مع هذه الحرب، تابع الرئيس عون، مضيفا: أتمنى من كل قلبي أن أكون قد أسأت التقدير، وأن تنتهي الحرب ولبنان بحدوده الحالية، لأن لدي خشية حقيقية من أن الإسرائيلي يريد أن يحتل منطقة جنوب الليطاني لإقامة منطقة عازلة.
وبالعودة الى تطورات الساعات الاخيرة، فقد أطلق بنيامين نتنياهو العنان لكل ما في كيانه الاسرائيلي من حقد واجرام، لم يوفر زاوية من لبنان، ولم يترك طفلة وطفل، أو أما وأب، أو وشيخة وشيخة، ولم يتتبعهم بالموت.
الدم سال في كل مكان، والخراب عم. أما جان ايف لودريان، فيقوم بجولة تقليدية على المرجعيات اللبنانية، فيما لا يبدو أحد مقتنعا أن النوايا الفرنسية الصادقة ستكون قابلة للترجمة العملية في وقت قريب.
اما الرد اللبناني، فصواريخ أرعبت إسرائيل، من حيث دقة إصاباتها، والنقاط التي طاولتها، والتي شملت مدنا ومصانع ومنشآت عسكرية اعتقدها العدو بعيدة المنال.
غير ان السلاح اللبناني الأمضى في مواجهة العدوان، فتضامن وطني كامل، وموقف موحد في المواجهة، وليترك التعاتب السياسي على الخيارات والتوجهات، وربما النتائج، الى ما بعد الحرب.