في حوار الساعات الثلاث وأكثر، لم يكثر السيد نصرالله من الحديث عن الداخل اللبناني، لكن ما قاله يغني عن الإسهاب والخوض في الأسباب بانتظار يوم الحساب. تكفي إشارته إلى عدوان تموز 2006 وما سبقه وما رافقه وما تلاه، ويشهد الويكيليكس على ذلك.
كلام عار من وراء الستار، ومواقف غار في وضح النهار. سمى الفرسان الذين ما بدلوا تبديلا، ولم يأت على ذكر الغزلان الذين أطلقوا سيقانهم للريح والخذلان. ميز بين السيوف المتحفزة والخناجر المتربصة. تحدث السيد قليلا عن الداخل لكنه قال الكثير. المهم والأساسي في ما أراد السيد نصرالله إيضاحه داخليا، هو التقدير والوفاء للرئيس عون والثناء على مواقف الوزير جبران باسيل.
السيد الذي لا يوفره تيار “المستقبل” وجمهور التيار، انتقادا وتهجما في أي مناسبة وفي كل مناسبة، لم يوفر كلاما إيجابيا إلا وقاله عن سعد الحريري. وعندما يقول السيد نصرالله إن الحريري يسعى لتدوير الزوايا، فهذه رسالة إيجابية ولفتة تقديرية لا ينتظر السيد شكورا عليها.
الهم الداخلي بدا طاغيا في الوقت الذي خصصه السيد للشأن اللبناني: هذه المرة وبالفم الملآن، أكد أن لا نية ولا توجه لتعديل الطائف أو تحقيق المثالثة أو إلغاء المناصفة، أو الانتقال إلى مؤتمر تأسيسي فهم منه على غير محمله منذ 7 أعوام.
السيد نصرالله أعطى رأيا مغايرا وتقييما مختلفا، لما توقعه منه كثيرون في الحوار غير المسبوق الذي أجرته معه الزميلة “الميادين”، إذ كان تقييمه إيجابيا للقمة لجهة تظهير الموقف اللبناني الحازم والمتماسك في الموضوع السوري، ميدانا ونزوحا وسياسة، مشيدا بموقف رئيس البلاد ووزير الخارجية.
السيد الذي ظهر في موقع المستعد لكل شيء، حفاظا على الاستقرار الداخلي سياسيا وأمنيا وميثاقيا، لم يبد أي إشارة مؤكدة أو ملموسة في الموضوع الحكومي، وعندما يرفع يديه بالدعاء للحكومة، فذلك يعني أن التأليف ينتظر أعجوبة تنقل الحكومة من الإعجاز إلى الإنجاز.
في موضوع الأنفاق، زاد السيد على الغموض غموضا. كان صمته بناء لثلاثة أشهر، وكان غموضه بناء لثلاث ساعات من الحوار. انتظره الاسرائيليون مسمرين مشدودين شاخصين إلى الشاشة الصغيرة، فكانت خيبتهم كبيرة. جارى السيد نصرالله نتنياهو في خروجه إلى الضوء، وإعلانه عن الأنفاق والصواريخ وضرب دمشق للمرة الأولى منذ سنوات. فكان أن أعلن السيد عن حقيقة امتلاك المقاومة للصواريخ ذات التقنية الدقيقة القادرة على إصابة أهداف محددة، الأمر الذي زاد في البلبلة الإسرائيلية وفي الخوف. المعادلة واضحة: توازن الرعب لم يعد مجرد تحليل وأقاويل في الحرب المقبلة.
الكلام البارز للسيد نصرالله عن سوريا وما بعد الحرب فيها، لخصته معادلة تطرح نفسها على العرب المنقسمين بين مقدم ومحجم، بين مقبل ومدبر. كشف السيد أن تقييما خليجيا خلص إلى أن الخطر التركي على العرب أدهى من الخطر الإيراني، لذا يتهافت الخليجيون على سوريا لمنع تركيا وليس ايران، من الاستئثار بإعادة الإعمار وتثبيت الاستقرار.
في كلام السيد نصرالله أن محور المقاومة ينتصر ومحور المقاولة ينكسر.