في المنطقة قرع لطبول التوطين، وفي الداخل يقرع البعض طبول التقسيم. ليس في هذا القول مبالغة ولا تضخيم، ولا هو استعادة لتجارب لبنان الكبير في أكثر من محطة، أبرزها عام 1975، ولا هو تعبير جديد عن نظرية المؤامرة.
وللتأكيد، فلننظر معا إلى الصورة العامة: قبل أيام، أعلن جاريد كوشنير أن بقاء فلسطينيي الشتات حيث هم، في اطار حل سياسي، هو جزء أساسي من الخطة الأميركية الجديدة للسلام. وقبل هذا الاعلان الصريح، كانت التسريبات المتعددة تؤكد الأمر بوضوح، وقد تناقلتها جميع وسائل الاعلام المحلية والعالمية.
تزامنا، خرجت في لبنان أصوات تندد بالتسوية الرئاسية، التي تشكل جزءا من تفاهم وطني عام على اعادة تحريك عجلة الحياة السياسية، لكن هذه المرة استنادا إلى معيار الميثاق.
واستهداف هذا التفاهم الوطني، كان لا بد أن يمر بالتصويب على أحد أبرز العاملين لارسائه، أي جبران باسيل، بما ومن يمثل اليوم. شوهوا مضمون لقاء في البقاع الغربي ليقولوا إنه ضد السنة، وافتعلوا همروجة في البقاع الشمالي ليصوروه معتديا على حقوق الشيعة. أما في عاليه، فشحنوا الجو، ودفعوا بالمناصرين إلى الشارع، وسقط شهيدان، لتكون الخلاصة أنه ينتهك الخصوصية الدرزية.
وعلى الفور، بادرت أبواق الفتنة إلى التشويش على زيارته المقررة منذ مدة طويلة لطرابلس وعكار، فاعتمدت الأحذية لغة، وبات التهديد بالقتل أمرا عاديا، وصار اللجوء إلى مفردات من نوع “نحتقرك” و”نكرهك” من اليوميات، لا تعبيرا عن احتقار أو كره لشخص، بقدر ما هو احتقار للتواصل بين اللبنانيين، وكره للتوازن والشراكة والعيش الواحد المتناصف، الذي يشكل أشد الأسلحة الوطنية فتكا في مواجهة التوطين.
وفي موازاة ما سبق، يبقى الذميون على استنفارهم للتبخير لمن ارتكب المعصية والتبييض مع الجاني، واعتماد الهجاء للارضاء كمسار سياسي شبه وحيد.
بكل بساطة، هذا هو الواقع، لمن يريد أن يرى. أما من يغمض عينيه عن الحقيقة، فليبق أسير المعادلة اللبنانية القديمة التي أوصلت البلاد إلى حيث هي اليوم، حيث بات اتخاذ قرار انقاذي اصلاحي مقرون بخطوات عملية على المستوى الوطني، هو باب الخلاص الوحيد.
فليجتمع التوحيديون مهما اختلفوا في السياسة، وليتوحد اللبنانيون رفضا للتقسيم وكسرا للتقسيميين بغض النظر عن التنافس الداخلي. وها هو قضاء زغرتا خير نموذج و”نيال أهل زغرتا فيه”، كما قال باسيل أمس. فلبنان الواحد الموحد هو الجامع، والتقسيم والكانتونات هما المرفوضان. أما التباين السياسي والتنافس الانتخابي، فشأنان طبيعيان تحت العنوان الديموقراطي.
وعلى وقع دعوة وئام وهاب اليوم إلى مصالحة درزية، الأكيد أن عودة التواصل بين الجميع هو القاعدة، أما ما حصل في الأيام الأخيرة فهو الاستثناء.
يبقى أن الأسبوع الطالع حاسم على المستوى الاقتصادي والمالي، فانجاز الموازنة لم يعد يحتمل مماطلة، ولا بد من اشارة للداخل والخارج، قبل أن نقع في المحظور.