من علامات التنوع اللبناني التاريخي، ان يكون المواطن كتلويا او دستوريا في الثلاثينات والاربعينات، ثم مع النهج الشهابي او الحلف الثلاثي في الستينات، فمؤيدا للجبهة اللبنانية او الحركة الوطنية في السبعنيات، وصولا إلى مناصرة قوى الثامن من آذار والتيار الوطني الحر من جهة او تجمع الرابع عشر من آذار من جهة أخرى بعد عام 2005.
أما بعد ارساء قواعد التفاهم الوطني الذي أفضى الى اعادة احياء الميثاق بانتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016، فبات انقسام اللبنانيين متمظهرا على نحو جديد.
فمن الثامن والرابع عشر من آذار لم يبق الا الاسم، ومن المبادئ التي استقطبت الناس بين المحورين على مدى سنوات، لم تصمد الا الشعارات. اما الانقسام الواقعي على الساحة اللبنانية اليوم، فبات من نوع آخر.
ففي لبنان اليوم فئتان التمييز بينهما سهل، بمجرد متابعة بسيطة لمواقع التواصل: فئةالايجابيين، المدركين لنقاط الضعف، انما الساعين الى البناء على عوامل القوة، للانطلاق نحو مستقبل افضل. اما في المقابل، ففئة السلبيين، المحبطين والمحبطين، المعرقلين والمعطلين، الذين لا يقدمون على اي خطوة، ولا يقدمون اي مشروع، مكتفين بتهشيم اعمال الآخرين، وتشويه مساعيهم، لا اكثر ولا اقل.
فئة الايجابيين مثلا، مرتاحة لمواقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والمجلس الاعلى للدفاع وسائر المسؤولين في مواجهة الاعتداء الاسرائيلي الجديد. أما فئة السلبيين، فخائفة اكثر من العدو، وتتهم الدولة برئيسها وجيشها ورئيس حكومتها ومن يمثل بالخضوع لحزب الله، حتى وصل الامر ببعض اعلامها اليوم حد اختصار موقف المجلس الاعلى للدفاع امس بعبارة “لبيك نصرالله”.
فئة الايجابيين، أفرحها خبر بدء حفر أول بئر نفطي في الثاني من تشرين الثاني، وأعجبها الإعلان عن انتهاء الاعمال في سد المسيلحة في تشرين الأول، وتعول على الدفع الذي يمارسه رئيس الجمهورية للمضي قدما في تطبيق الورقة الاقتصادية والمالية، التي تشكل خارطة طريق للانقاذ بشهادة الجميع. اما فئة السلبيين، فنعيها مستمر، وانسياقها خلف الشائعات او ترويجها لها لا يتوقف… وهكذا دواليك.
فئة الايجابيين، محورها الرئيس عون. اما فئة السلبيين، فمحاورها احزاب فشلت رهاناتها، واعلاميون ساقطون، وطامحون سياسيون لفظهم الشعب غير مرة، بمناسبة ومن دون.
وإذا كانت حقيقة السلبيين تتكشف اكثر فأكثر يوما بعد يوم، فالحقائق التي ينطلق منها الايجابيون تكرسها مواقف رئيس الجمهورية، الذي اعلن اليوم أننا سنعتمد خلال الأيام القليلة المقبلة خطا تصحيحيا لتعزيز الاقتصاد، مصارحا اللبنانيين بالقول: قد نشهد تدابير صعبة ولكنها ضرورية، فالمريض قد لا يعجبه طعم الدواء لكن يجب ان يتناوله كي يشفى. وشدد الرئيس عون الذي يترأس غدا جلسة لمجلس الوزراء في بيت الدين، على ان الوقت الذي نملكه ضيق من اجل المعالجة وسنتخطى الازمة، انما يجب الاخذ في الاعتبار ان هذه المعالجة تأخذ بعض الوقت، وهذه هي حقيقة الأمور، ولا نعمد الى اخفائها عن الناس كما كان يحصل سابقا.
ومن عين التينة ايضا، جرعة دعم لفئة الايجابيين، حيث أطلع الرئيس نبيه بري نواب لقاء الاربعاء على أجواء اللقاء الاقتصادي المرتقب في القصر الجمهوري، آملا في أن يشكل فرصة اساسية لاتخاذ قرارات جوهرية.
تبقى الاشارة الى موقف قائد الجيش في الذكرى السنوية الثانية لمعركة فجر الجرود. فخلال وضع اكليل من الزهر على النصب التذكاري للعسكريين الشهداء الذين خطفوا على أيدي المنظمات الإرهابية عام 2014، واضاءة شعلة لتخليد ذكراهم وتضحياتهم، شدد العماد جوزاف عون على اننا سنكمل الطريق مهما طالت، فمنذ تأسيس الجيش اللبناني حتى تاريخنا هذا لا نزال نتذكر أول عسكري استشهد في ساحة المعركة، لأنهم استشهدوا لنبقى… وكي نبقى لا يمكن الا ان نكون ايجابيين.