أخذت التطورات التي أفرزها لغز الطائرتين المسيرتين في الضاحية الجنوبية، الاستراتيجية الدفاعية بدربها أو على الأقل تم ترحيلها إلى أجل غير مسمى. البديل الأكثر الحاحا هو الاستراتيجية الاقتصادية التي تبرز الحاجة إليها في سلسلة أحداث- مؤشرات لا تقل أهمية وخطورة عن الملف الأمني- الميداني على الحدود مع اسرائيل، أو في حرب النمر والنسر على الأرض وفي السماء اللبنانية.
ملامح القلق والخيبة عند اسرائيل، في طريقة تعامل واشنطن مع الملف الايراني، وتشغيل محركات الوساطة الأوروبية مع طهران، بديلا عن تحريك حاملات الطائرات ومنظومات الصواريخ الأميركية ضد ايران في الخليج والمنطقة، عوضت عنه واشنطن بجائزة ترضية لتل ابيب تمثلت بادراج “جمال ترست بنك” على لائحة المصارف المغضوب عليها.
إسرائيل اليوم عينها على الحدود مع لبنان، تحسبا لأي مفاجأة غير سارة لها قد يقوم بها “حزب الله”، وواشنطن عينها على النقود التي تدعي انها تذهب إلى المقاومة، عن طريق جهات ومصارف ومعارف للحزب في أميركا وإفريقيا وآسيا.
الارتياح الحذر الذي قوبل به تصنيف “ستاندرز اند بورز” الائتماني للبنان، قابلته الخزانة الأميركية بتنغيص فرحة القطاع المصرفي اللبناني: دخول دولارات مما يخفف من عجز ميزان المدفوعات، لكن في المقابل خروج أحد المصارف من ميدان العمل المصرفي في لبنان والاغتراب.
أما في الداخل فرب ضارة نافعة. الاعتداء الاسرائيلي في قلب الضاحية، قلب المعادلة بين “حزب الله” والرئيس الحريري، من ربط نزاع إلى فك اشتباك. للمرة الأولى يوفد رئيس الحكومة اللواء محمد خير، المسؤول الأول في الهيئة العليا للاغاثة، للتعويض على الخسائر التي لحقت بمنطقة تشكل أحد أبرز المربعات الحيوية والأمنية والحزبية ل”حزب الله”. ألحقه بموقف فاجأ الحلفاء قبل الخصوم في مجلس الوزراء، عندما اشتبك الحريري كلاميا مع وزير “القوات” ريشار قيومجيان، ما يضع العلاقة بين “القوات” والحريري مجددا في دائرة التدحرج السلبي والتراجع الدراماتيكي، على أبواب تعيينات لا يبدو أن حصة “القوات” فيها ستكون أفضل من حصتها في المجلس الدستوري.
وبين وساطة الرئيس بري بين جنبلاط و”حزب الله”، تبرز ملامح تهدئة واسعة بين “حزب الله” والحريري، في وقت انتهى مفعول الهمروجة التضامنية التي وقفها البعض مع وليد جنبلاط، لا حبا به بل نكاية بغيره، فكانت النتيجة أنه رفع منسوب الخيبة وخفض منسوب الهيبة.
وبعد دقائق من الآن، كلمة مباشرة للرئيس عون في مناسبة اطلاق فعاليات مئوية لبنان الكبير، الذي أعلنه الجنرال هنري غورو في مثل هذا اليوم منذ 99 عاما من درج قصر الصنوبر في بيروت.