شهد عهد الرئيس كميل نمر شمعون فورة عمرانية وبحبوبة وازدهارا، فطلعوا عليه بما سمي “ثورة 1958″، تحت مبرر التمديد لولايته، وعدم قطع العلاقات مع فرنسا وبريطانيا اثر العدوان الثلاثي على مصر العام 1956.
في عهد الرئيس فؤاد شهاب، باني المؤسسات، وقف قسم من المسيحيين ضده ورموه بالافتراءات والشائعات، لدرجة أن سيدة لبنان أشاحت بوجهها عنه، وفق الكذبة الكبيرة التي أطلقها مناصرو الحلف الثلاثي في انتخابات 1968.
في عهد الرئيس شارل حلو فجروا في وجهه أزمة بنك انترا. كبر القطاع المصرفي في عهد الرئيس الجزويتي ونما بشكل جذب ليس فقط الأموال والرساميل، بل جلب سوء الطالع والمشاكل الكبيرة إلى البلد الصغير. بسحر ساحر انهار انترا، وكان للكذب والشر والشائعات الدور الأبرز في سقوطه.
في عهد الرئيس الفارس سليمان فرنجية، وصل الدولار إلى ليرتين وربع، ووصل الأمر بالصيارفة إلى رفض التعامل بالدولار نظرا لقيمته المتدنية ازاء الليرة اللبنانية. اندلعت الحرب في لبنان العام 1975، وأحرقوا الأسواق ونهبوا شارع المصارف، وحاولوا دك ركائز ومداميك القوة المالية والاقتصادية اللبنانية ولم يتمكنوا.
في عهد الرئيس الخلوق الصابر النزيه الياس سركيس- الذي كان حاكما لمصرف لبنان زمن شارل حلو وسليمان فرنجية، وكانت ساعة خير للبنان لأنه راكم موجودات مصرف لبنان من الذهب والعملات الأجنبية- في عهده استمرت الحرب بشراسة وضراوة، وشنت على الرجل أقسى الحملات، وبقيت الليرة مصانة والعملة الوطنية كامرأة قيصر. وغادر الياس سركيس قصر بعبدا نزيها نظيفا كبيرا، كما دخله، ولم تهزه الشائعات ولا التهويلات ولا العراضات.
بدأ الانهيار العام 1983، وجاء حديثو النعمة والسماسرة وأمراء الميليشيات ولوردات الحرب، ليملأوا الفراغ الذي خلفه الكبار بصغار الأزلام والمرتزقة والمحاسيب. طار الازدهار وحط الانهيار. مضاربات وشائعات أدت إلى أفول الليرة وبروز عصر المافيات وطبقة أثرياء الحرب، إلى أن حلت الطامة الكبرى العام 1992، عندما أعلن حاكم مصرف لبنان يومها، علنا ومن دون أي حرج أن البنك المركزي لن يتدخل لضبط السوق، فكانت إشارة الانطلاق لما يسمى بلغة المافيا والجريمة المنظمة: الدعوة المفتوحة لقتل الليرة.
حصل ذلك يوم كان عمر كرامي، النزيه، الصلب والمحترم، رئيسا للحكومة. رموه بالشائعات وحرقوا الاطارات ورفعوا الشعارات، فاستقال من رئاسة الحكومة، تماما كما كرر التاريخ نفسه معه، وبالأكاذيب والشائعات عينها، بعد 13 عاما.
اليوم، وبعد تجربة مخضرمة لخريجي كليات الشائعات والغرف السوداء والوجوه الصفراء في الكذب والتدليس والشعوذة والهلوسة، ظن هؤلاء أن ميشال عون ليس استثناء، وأن تطور تكنولوجيا الشائعات وتقنيات قلب الحقائق وابتكارات بث السموم، كفيلة بجعل اقامة الرئيس عون في بعبدا أكثر ازعاجا وأقل فاعلية، وفي ذلك هم- مرة جديدة- يكشفون عن فائض في الغباء وضحالة في الذكاء.
كانت المشكلة دوما وستبقى في الرئيس القوي، فكيف إذا كان شعبيا وقويا وحديديا. استراتيجيتهم والهدف هو اسقاط نظرية الرئيس القوي، وهذه تجربة خبرها اللبنانيون مع رؤساء عدة وليس فقط ميشال عون. لم يقبلوا بميشال عون رئيسا إلا رغما وقسرا، وعندما قبلوا قالوا فلننتظر ونرى. سيصل الرئيس القوي لكنا لن ندعه يحكم حتى ولو حول البلد إلى سماء وحياة اللبنانيين رخاء وهناء.
في كتابه “أصحاب الفخامة رؤساء لبنان”، يورد الصحافي الكبير الراحل وليد عوض، أن الجنرال كاترو طلب من الرئيس أيوب تابت- وكان معروفا بنزاهته ونظافة كفه وطبعه الحاد بالوقت عينه- يورد أن كاترو طلب من ثابت تمرير معاملة غير قانونية فرفض تابت. فما كان من كاترو إلا أن ذهب إلى منزل ثابت من دون موعد، ودخل عليه فوجده يتناول عشاءه المؤلف من بيضة وكوب حليب وقطعة جبنة وبضع حبات زيتون. يومها قال ثابت لكاترو: من يأكل مثل هذا الطعام لا يرضخ لمشيئة أحد.
الرئيس الجنرال لم يعش كل هذا العمر ويصل إلى ما وصل إليه، كي يرضخ اليوم لعلية الفاسدين وأسافل الرعاع.. راجعوا حساباتكم، والتاريخ.