العام 1947 جرت انتخابات نيابية مهدت نتائجها لتمديد ولاية الرئيس بشارة الخوري . قيل الكثير يومها في الاسباب والعوامل الدافعة من ممارسات السلطان سليم شقيق الرئيس الى الفساد وايثار ذوي القربى لكن السبب الحقيقي – وهذا ما لم تورده كتب التاريخ – يكمن في رفض بشارة مطالب غربية، ويومها لم تكن اميركا قد ازاحت بريطانيا من على عرش السيطرة الغربية على الشرق الاوسط والمنطقة.
كانت ثورة بيضاء اطاحت باحد رموز الاستقلال وجاءت بكميل شمعون فتى العروبة الاغر واللبناني الابر في وقت كانت الدول العربية تتسابق على الانقلابات والاعدامات . كان بشارة الخوري اول رئيس جمهورية يسقط في الشارع بحركة اعتراضية ضمت الاضداد والمتضررين والمنتفعين . كان ذلك العام 1952 . حاولوا تكرار الامر نفسه من كميل شمعون بثورة حمراء ولم يفلحوا .
وقف كميل شمعون بقامته ومهابته على سطح قصر القنطاري متسلحا برشاش ودافع عن الجمهورية التي صمدت وقاومت عبد الحميد السراج وعبد الحميد غالب ومن والاهما في الداخل ولم يتنح . فعلوا الامر عينه مع الرئيس سليمان فرنجية الذي حاولوا تدمير قصر بعبدا عليه بقذائف المعماري والبوتاري وعواد ومن خان القسم والعلم والوطن. صمد فرنجية صمودا يليق باحفاد الدويهي ويوسف بك كرم ولم يرضخ ولم يتنح .
عاود المسلسل حلقاته مع الرئيس اميل لحود العام 2005.ابن الزعيم جميل لحود الذي تمرد على الانتداب في عز سطوته واحد ابرز ضباط الجيش اللبناني الفتي في الاربعينات. لم تخفه التهويلات ولم تضعفه التهديدات. صمد وربض في القصر الجمهوري ولم يرف له جفن. ولم يتنح. يومها لامت قوى 14 اذار البطريرك الراحل صفير على رفضه تسجيل سابقة اسقاط رئيس الجمهورية المسيحي في الشارع واعتباره الرئاسة خطا احمر لكنها اباحت لنفسها التحالف مع اصدقاء وحلفاء سوريا في تحالف هجين مهين اسموه التحالف الرباعي متاثرين ربما – وهذا ليس اكيدا – برواية عقدة الافاعي لفرنسوا مورياك. لم يعمر التحالف الرباعي،انفخت الدف وتفرق العشاق وانتقلوا من العناق الى شد الخناق. منذ يومين اقتنع البعض ان المرحلة الثانية من الانقلاب ان اوانها. الشروع في اسقاط العهد.
المرحلة الاولى كانت اسقاط الحكومة . اما الهدف : اما حكومة تضعف العهد وتسحب منه عناصر القوة والاستمراية والمشروعية واما الضغط واعلان الحرب وزحفا زحفا نحو القصر بعيد مقتل علاء ابو فخر وعشية وصول الموفد الفرنسي . منذ اليوم الاول للحراك كان التصويب على رئيس الجمهورية اكثر من رئيس الحكومة الذي يمسك بزمام 70 مؤسسة وهيئة ومجلس ظل ورديف ومواز للدولة وفي قلب الدولة ، وطغى المنحى السياسي والخطاب التحريضي والابتذال اللغوي على العنوان المطلبي والهم المعيشي واخطبوط الفساد وظلم الجلاد . اليوم وبعد 29 يوما على بدء الحراك يمكن تلمس الطريق في العتمة ورؤية الافق والخروج من النفق . الوقت يضيق وهامش المناورة يتقلص .