بعيدا من نظرية المؤامرة، ومن إعفاء القوى السياسية التي عرقلت الإصلاح على مدى عقود من مسؤوليتها عما آلت إليه الأمور، وبغض النظر عن أحقية المطالب الاقتصادية والمعيشية المرفوعة راهنا، لا يمكن لأي مراقب سياسي إلا أن يتوقف مليا أمام مشهدين نافرين:
الأول، تزامن التحركات الاحتجاجية في كل من لبنان والعراق وإيران، والثاني، سيل المواقف الأميركية المرحبة، والمعتبرة أن تلك التحركات تصب في إطار تقليص النفوذ الايراني وضرب حزب الله.
فبعد الموقف الشهير لمايك بومبيو في بداية التحركات، الذي ربط فيه بين أحداث العراق ولبنان برغبة شعبي البلدين بالتخلص من النفوذ والفساد الايرانيين، يقول جيفري فيلتمان اليوم ما يلي: “لا يمكن ل”حزب الله” بعد الآن أن يزعم أنه بريء ونظيف”. ويضيف: “لا نريد أن نرى انهيار لبنان ماليا أو سياسيا، لكن قدرتنا تعتمد على قرارات يتخذها اللبنانيون، بما في ذلك تشكيل الحكومة المقبلة وسياستها”.
ويتابع قائلا: “ان استمرار الانغماس في سياسات “حزب الله” سيؤدي إلى أسفل الدرك، بينما الإصلاحات والمحاسبة والشفافية والإعتماد على مؤسسات الدولة بدلا من “حزب الله” سيقود الى وجهة أفضل، مع الولايات المتحدة وآخرين”.
وفيما شدد المسؤول الاميركي على ان الجيش اللبناني هو على الأرجح المؤسسة الأكثر احتراما في البلاد، دعا إلى تحرير المساعدات العسكرية التي وضعت قيد المراجعة، في وقت كان دايفيد هيل يعلن أن البيت الأبيض يجمد منذ حزيران الماضي مساعدة أمنية إلى لبنان قيمتها اكثر من مئة مليون دولار.
وبالعودة إلى التطورات المحلية، الأنظار مجددا نحو بعبدا، فاللبنانيون يتطلعون إلى ما سيصدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الثامنة من مساء الغد في رسالته إليهم لمناسبة الذكرى السادسة والسبعين للاستقلال، آملين في عدم تكرار تجربة قطع الطرقات التي خطط لها قبل مقابلته التلفزيونية الأخيرة، ونفذت أثناءها وبعدها، مع ما رافقها من تحريف متعمد لكلامه.
وفي غضون ذلك، لا يزال الغموض سيد الموقف على مستوى التكليف والتأليف. ففي مقابل نسمة التفاؤل التي صدرت عن عين التينة اليوم، الخيارات التي يدور حولها البحث لا تزال ثلاثة: فإما حكومة تكنوسياسية برئاسة سعد الحريري أو حكومة تكنوسياسية برئاسة شخص آخر بالاتفاق مع الحريري، وإلا حكومة أكثرية، تكون الملاذ الأخير لمنع الانزلاق نحو المجهول. وفي هذا السياق، تشير معلومات الـ OTV إلى ان الخيار الثاني هو الاكثر ترجيحا حتى اللحظة، وهو ما سنكشف تفاصيله في سياق النشرة.
وفيما ساد الهدوء اليوم حركة الشارع بعد تأجيل الجلسة التشريعية أمس، لفتت أوساط سياسية عبر الـ OTV إلى أن الإصرار على شل المؤسسات يعطل إلاصلاح ويسرع الانهيار، مشددة على احترام الميثاقية بمعناها الواسع داخل المؤسسات الدستورية، مع رفض أي استغلال يهدف إلى التعطيل، وخاصة باعتبار غياب كتلة نيابية واحدة مثلا سببا لوقف الجلسات.
أما في المقابل، فالمطلوب وفق الأوساط عينها، وفي انتظار حل الأزمة الحكومية، الإسراع في عقد جلسة نيابية لانتخاب اللجان وهيئة مكتب المجلس بعد الإجراء الاستثنائي الذي اتخذ أمس، إضافة إلى تحديد موعد جلسة مخصصة لإقرار قوانين مكافحة الفساد ورفع الحصانة ومحكمة الجرائم المالية واسترداد الأموال المنهوبة، باعتبارها جزءا من تشريع الضرورة بالمعنى الضيق للكلمة.
أما أي محاولة لإصدار قانون عفو عام، فمن شأنها أن تستفز الناس أكثر، وهي توحي بأن المجلس النيابي يشرع الجرائم بمنع العقاب، كما تضرب استقلالية السلطة القضائية، تختم الأوساط السياسية للـ OTV.