بعيدا من الشائعات التي اعتادها اللبنانيون مع كل عملية تأليف حكومي، وبغض النظر عن جدية التهويل بتحركات شعبية، بعضها ذو طابع مذهبي مع بداية السنة الجديدة، من الواضح أن مسار تشكيل الحكومة يتخذ منحى إيجابيا، بما يوحي أن ولادتها لن تكون بعيدة، في ضوء المعطيات الآتية:
أولا: غياب البديل في الوقت الراهن عن الرئيس حسان دياب، ولاسيما بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تولي المسؤولية، وإثر حرق ثلاثة أسماء كان اختارها بنفسه.
ثانيا: غياب بديل عن الصيغة الحكومية المتداولة راهنا، أي تلك التي تضم اختصاصيين توافق عليهم الكتل البرلمانية، بما يحقق مطالب المتظاهرين من جهة، ويضمن نيل الحكومة الجديدة الثقة من جهة أخرى. ذلك أن الخيار الوحيد في حال سقوط التجربة الحالية، يبقى العودة إلى حكومة تشبه تلك المستقيلة، التي رفضها الشعب، سواء المنتفض منذ 17 تشرين الأول، أو الذي كان يتأهب للتحرك، ك”التيار الوطني الحر” الذي أعلن رئيسه جبران باسيل بوضوح في 13 تشرين عن توجه لقلب الطاولة، بعدما تداول في الموضوع مع كل من الرئيس الحريري والسيد حسن نصرالله.
ثالثا: الغطاء الدولي الواضح للمسار الدستوري اللبناني، ولعل آخر تعبيراته، إلى جانب مواقف دايفيد هايل من بيروت، ما صدر أمس عن الخارجية الفرنسية لناحية أن مجموعة الدعم الدولية التي اجتمعت في باريس سلطت الضوء على ضرورة تشكيل حكومة جديدة لتنفيذ كل الاجراءات والإصلاحات في لبنان، معتبرة أن المجموعة مستعدة لمساندة لبنان ومرافقته على هذا الطريق، ومشيرة في عبارة لافتة، إلى أن ليس لها أن تقرر تكوين الحكومة اللبنانية المستقبلية، وإنما الأمر متروك إلى اللبنانيين.
أما في جديد المشاورات، فلا يزال ثنائي “حزب الله”- “أمل”، وفق المصادر، يقدم كل التسهيلات لتشكيل حكومة سيادية بامتياز، قادرة على انتشال البلاد من المستنقع الاقتصادي والمالي الذي أدخلتها فيه سياسات عمرها ثلاثة عقود على الأقل.
وعلى خط “التيار”، بات أكيدا الرفض المبدئي لتكرار تجارب الحكومتين السابقتين، حيث أعطيت فرص كثيرة للنجاح بالتعاون مع الرئيس الحريري، لكن الأمر لم يحصل. أما بخصوص عملية التأليف، فيشدد “التيار” على أنها منوطة برئيس الحكومة المكلف بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، وفق نص الدستور، ويبقى على رئيس الحكومة المكلف بشكل طبيعي، أن يستمزج آراء الكتل لتأمين الثقة، ولا يستطيع أحد منع أي كتلة من ابداء رأيها، فكيف إذا صودف أنها اكبر كتل البرلمان على الاطلاق؟، علما أن “التيار الوطني الحر” يشدد على التساهل في موضوع التأليف إلى حد الغاء الذات وتأييد الحكومة من الخارج، لأن الأولوية بالنسبة إليه هي العمل والنجاح، بدءا بتصحيح السياسة المالية والنقدية المعتمدة منذ ثلاثين سنة، مرورا بغير ذلك من الاجراءات التي أعد خطة كاملة لها، تنتظر النقاش والتنفيذ.