IMLebanon

مقدمة نشرة أخبار الـ”OTV” المسائية ليوم الأربعاء في 01/01/2020

كل عام وانتم بخير

منذ اليوم، أول أيام 2020، سيكون أمام اللبنانيين أن يتحضروا لاحياء مئوية ولادة لبنان الكبير، أو الاستعداد لاسدال الستارة على مئة عام عشنا وعايشنا فيها لحظات مشرقة ومظلمة، ومضات شرف وقرف، محطات فخر وقهر، صفحات بسالة ونذالة، سنوات استقلال واحتلال وأيام اتفاق وافتراق.

كتب على هذا الوطن الصغير الجميل، أن يكبر فجأة في العام 1920، وأن يصبح كبيرا راشدا بالغا، في وقت كانت امبراطورية بني عثمان تدخل زمن النسيان، وكانت فرنسا وبريطانيا تتقاتلان على تركة الرجل المريض في الهلال الخصيب، من رمال الحجاز إلى جبال لبنان إلى غلال سوريا وتلال العراق، إلى قبلة المسلمين وقلب المسيحيين: فلسطين.

بعد مئة عام على لبنان الكبير، وسبعة وسبعين عاما على الاستقلال، وثلاثين عاما على الطائف، وأقل من ثلاثة أشهر على انتفاضة غير مسبوقة، يقف اللبنانيون أمام الامتحان الأكبر والأخطر والأصعب في مسارهم التاريخي ومصيرهم الوطني.

مكابر من يتجاوز عن تاريخ 17 تشرين، ومدع من يقول أن شيئا جوهريا وبنيويا لم يتغير، ومنافق من لا يرى علامات الأزمنة الآتية في ما هو حاصل اليوم .

في العام 2019، لم تنجح “حكومة إلى العمل”، وأضحت عنوانا للفشل. لم تكن منسجمة سياسيا، ولا متفقة اقليميا ودوليا. في العام 2019، تصاعدت العقوبات وازدادت العقبات أمام فريق لبناني وازن وكياني. وفي هذا العام أيضا، تدفق الأميركيون والأوروبيون إلى لبنان من بوابة النازحين والنفط والغاز، وانكفأ العرب المشغولون بأزماتهم ونزواتهم.

هذه السنة كادت قبرشمون تفتح قبور الحرب والأيام السود. وفي هذا العام حصلت أول انتكاسة جدية فعلية في التسوية السياسية، وسجلت العلاقة بين أركانها تراجعا سريعا وانحدارا مريعا، بدأت مؤشراته بالظهور منذ القبض والضغط على رئيس الحكومة في الرياض قبل سنتين.

هذا العام اهتز تفاهم معراب، والبعض يقول انتهى. هذه السنة استفحل الفساد وتجبر رموزه وتكبروا، ولم يرتدعوا ولم يسمعوا يوما بمقولة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز لولاته إذا شكاهم الناس إليه: كثر شاكوك وقل شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت. وفي لبنان لم يعتدلوا ولم يعتزلوا.

في هذا العام كانت نذائر الأزمة تزداد سياسيا وماليا ومعيشيا واقتصاديا، إلى أن انفجرت في 17 تشرين التي كرست الطلاق بين شريحة كبيرة من اللبنانيين وبين الدولة، وأسقطت ورقة توت الثقة بغالبية الطبقة السياسية، وخدشت صورة الأحزاب، وهزت هيبة قيادات، وأسقطت محرمات وتخطت حرمات وأزاحت مقامات.

بعد 17 تشرين ستتغير قواعد الاشتباك، وتتبدل قواعد اللعبة، في السياسة والاقتصاد والمال. سمفونية أعجوبة الازدهار، ومعزوفة لحن الاستقرار، واسطوانة الانبهار الدائم بالأعيب بهلوانية وأكاذيب صبيانية عن القوى الخفية والقدرة الأسطورية على النهوض بعد السقوط، لم تعد تنطلي على الجيل الجديد. تبجح سياسيون من الصف الترسو طويلا، بقدرتهم على ادارة الأزمة، لكنهم خرجوا سريعا من المشهد، عندما دقت ساعة الحساب ووصلنا إلى ادارة الانهيار.

في العام 2019، يمر اتفاق الطائف بالامتحان الأخطر والأكبر، وللمرة الأولى منذ 30 سنة، سيشهد اللبنانيون على ولادة أول حكومة غير سياسية في عصر الطائف والطوائف.

مع بداية هذا العام، يقف اللبنانيون أمام مفترق مصيري: أمام عامية جديدة تجدد وجه لبنان الكبير، وتبعث الروح في مفاصله وأوصاله المتهالكة بفعل مئة عام من سوء الظن والتقدير ورفض التغيير، وحروب الأمم وساعات الندم والسلام المفقود، وإما انتظار يالطا أخرى وسايكس بيكو منقح، وشياطين متأهبة وشرور متوثبة على قارعة الصفقات ورصيف البازارات.