في التاريخ، الخامس عشر من أيار يوم أسود.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1948، أنشئ الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، وبدأ مسلسل تشريد اللاجئين، الذي دفع لبنان ولا يزال ثمن قضيتهم، متمسكا بحقهم المقدس في العودة، ورفض التوطين، بناء على عبارة مقدسة أيضا، وردت في مقدمة الدستور، وجاء فيها ألا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.
وفي مثل هذا اليوم من عام 2013، سقطت شعارات كبيرة رفعها البعض محليا، فتغيبوا عن جلسة نيابية كان يفترض أن تقر مشروع قانون الانتخاب المعروف بالأرثوذكسي، الذي يحقق التمثيل الصحيح، مئة بالمئة لجميع المكونات اللبنانية، في انتظار قيام الدولة العلمانية… مسددين بذلك ضربة من الداخل إلى الميثاق والتوازن والشراكة الوطنية التي كانت في طريقها إلى التحقق، لتتأخر عودتها أربع سنوات بعد ذلك، أي حتى إقرار قانون الانتخاب الحالي، القائم على النسبية مع الصوت التفضيلي، مع منح المغتربين حق الاقتراع من بلدان الانتشار…
هذا في التاريخ.
أما في الحاضر، فالتاريخ بكل بساطة، يعيد نفسه…
ربما ليس بالأحداث والوقائع، ولكن طبعا بالذهنيات والممارسات.
ففي الشأن الميثاقي، كانت جهة تسعى إلى التوازن، وجهات تصر على الخلل.
وفي الشأن الإنمائي، كانت جهة تسعى إلى الإنجاز، وجهات لا هم لها إلا العرقلة.
وهكذا هي الحال اليوم، على رغم ما وصلنا إليه: جهة تسعى إلى الإنقاذ، وجهات تطعن في الظهر.
اليوم، الحكومة تفاوض صندوق النقد الدولي، في مسعى لانتشال لبنان من المستنقع الاقتصادي والمالي.
وتزامنا مع انطلاق المفاوضات، تقوم الجهات عينها التي تسببت بالضرر الكبير، بإلقاء اللوم على من يعمل للإنقاذ، فتضع العصي يوميا في الدواليب.
وفي هذا السياق، خرج مثلا موقع تابع لطرف سياسي، بمقال وصفه بالخاص، عنوانه يقول: “جبران يحضر جلسات بعبدا أونلاين ودياب يخطط لوضع اليد على إدارات”.
وفي الوقت عينه، انبرى رئيس حزب يزعم العفة ويدعي المبدئية، إلى إطلاق النار على مقررات المجلس الأعلى للدفاع في ما يتعلق بالتهريب، وقرارات الحكومة حول الكهرباء، مع علمه الأكيد بأهمية الملفين في نظر المجتمع الدولي الذي تؤمل منه مساعدة سريعة.
وفي الموازاة، أخذ سياسي على عاتقه مهمة القنص على الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي، مطلقا في حق بعض أعضائه، أغرب النعوت… تزامنا مع إعلان وئام وهاب انه سيتقدم أول الأسبوع بإخبار عند القاضي علي إبراهيم بخصوص ملف يمكن أن نستعيد بفتحه عشرات ملايين الدولارات، كما قال، حتى لا يبقى ملف استرداد الأموال كلاما بكلام، مؤكدا أن كل أوراقه جاهزة حتى لا يكون إخبارا في الهواء أو للاعلام.
وتزامنا مع اعلان وئام وهاب، رد النائب اللواء جميل السيد على حديث النائب السابق وليد جنبلاط أمس للـ OTV، حيث غرد بالتالي: البيك قال على الOTV أنا ما حكيت الرئيس بالتعيينات… عم يحكي فيها فريق سياسي مدعوم من ضابط لبناني سابق من إيام أحبابي خدام والشهابي! أكيد مش نحنا يا بيك عم نطرق كل الأبواب حتى نعين فليحان بمصرف لبنان، وشقير بأسواق المال، وكيوان بالشرطة، ومطرح وليد عمار بالصحة… مشكلتك مع المير”، ختم السيد.
في كل الأحوال، السجالات ليست الأساس، والمزايدات بعيدة عن الجوهر.
فالمهم اليوم هو الانقاذ، واذا كان اللبنانيون، بعد كل الذي جرى، مستعدين بعد لسماع مزيد من الكلام الفارغ، فهم طبعا ليسوا في وارد التسالي التي يمضي بعض السياسيين فيها وقتهم، لأن هؤلاء ليسوا في حاجة إلى وقت للتفكير في لقمة العيش والمدرسة والجامعة والاستشفاء وسائر هموم الحياة التي ينهمك فيها اللبنانيون.