المصالحة والحقيقة توأمان لا ينفصلان.
المصالحة ضرورة وطنية، خصوصا في ظرف يتطلب تضافر الجهود لمواجهة الأزمة غير المسبوقة التي تعصف بلبنان.
أما الحقيقة، فضرورة لتحقيق المصالحة، حتى لا تبنى على زعل، بل على حق، وانطلاقا من تصفية النوايا لا الحسابات، والتطلع إلى المستقبل، لا الغرق في الماضي، قريبا كان أم بعيدا.
المصالحة في ملف حادثة قبرشمون، التي وقعت في الثلاثين من حزيران الماضي، بدأت في بيت الدين الصيف الفائت برعاية رئيس الجمهورية، واستكملت أمس في عين التينة بدعوة من رئيس مجلس النواب. فاستقرار لبنان من استقرار الجبل، والعيش الواحد بين اللبنانيين أولوية.
أما الحقيقة، فينبغي أن تعلن في كل الأحوال، خصوصا متى أصبحت ممهورة بتوقيع القضاء، الذي أصدر اليوم قراره الظني في القضية، مؤكدا ما يلي:
أولا: إن ما أثير حول وقائع الحادثة ميدانيا، واستهدافاتها الشخصية المحددة، لم يكن من باب الاتهام السياسي، بل انطلق من الوقائع التي بينها مسار التحقيقات والاعترافات، وأكده استمرار توقيف عدد من الحزبيين منذ اكثر من عام، ليأتي القرار الصادر اليوم في حق الموقوفين وسائر المتورطين، بمثابة الاثبات الدامغ.
ثانيا: يشير القرار الظني بوضوح الى انه تبين من مجمل التحقيقات ان مدير فرع البساتين في الحزب التقدمي الاشتراكي اتفق مع عدد من المدعى عليهم، شفهيا وعبر تطبيق الواتساب، على منع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من المرور في المنطقة، بواسطة حاويات نفايات وسيارات وكمية من المازوت التي أفرغت أرضا، كما أقدم هؤلاء على منع مرور موكب الوزير السابق صالح الغريب في محلة البساتين باتجاه عين كسور بالطريقة عينها، وكانوا مسلحين، وقد نتج عن هذا الامر اشكال مسلح كاد ان يهدد السلم الأهلي ويزعزع الاستقرار العام.
ثالثا: من الثابت من مجمل التحقيقات، لاسيما من الرسائل الصوتية المرسلة عبر تطبيق الواتساب ضمن مجموعة الحزب التقدمي الاشتراكي، ان المدعى عليهم حرضوا على قطع الطرقات، وعلى قتل كل من يحاول المرور.
أما وقد ظهرت الحقيقة، فالوقت وقت مصالحة، ولتأخذ العدالة مجراها.
عدالة لا بد أن تطبع حياتنا الوطنية من الآن فصاعدا، لتشكل المرجع الوحيد الذي يبت في كل خلاف او ارتكاب… فكم من كارثة كان نجا منها الوطن، لو لم يكن ميزان العدالة مختلا منذ ثلاثين عاما على الأقل… في ملفات تراوح بين السياسة والمال، وما بينهما من فساد وأخطاء يدفع اللبنانيون ثمنها اليوم، بسبب إفلات المرتكبين من العقاب…
ولأن المصالحة ضرورة، المشاورات قائمة، والاتصالات كثيفة في اكثر من اتجاه، في محاولة بلورة لقاء وطني جامع في بعبدا في الخامس والعشرين من الجاري. لقاء، يفترض ان يبعث برسالة واضحة إلى المعنيين في الداخل والخارج، مفادها أن لبنان يرفض الاستسلام للأزمة، وأن أبناءه قادرين على وضع الصغائر جانبا، ومنها ما صدر عن كتلة المستقبل اليوم، متى كان الوطن عرضة للخطر الكبير.