يا ليت تهافت بعض السياسيين اللبنانيين على إدانة قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور، كان تهافتا على إيجاد الحلول للأزمات الكبيرة التي تعصف بالبلاد جراء أفعالهم هم، على مدى ثلاثين سنة على الأقل، أي منذ رسا التفاهم الإقليمي والدولي على وضع لبنان تحت الوصاية، وتسليم الحكم فيه إلى منظومة محورها أمراء الحرب وممولوهم، وعلى هامشها باحثون عن أدوار وأضواء، ورجال مال وأعمال، وإعلاميون، فضلا عن فاعلين على مواقع التواصل، وفق الرائج اليوم.
يا ليت تهافت كل هؤلاء على إدانة قرار قضائي، الموقف الرسمي منه معروف وجوهره التزام بالمعاهدات الدولية، يا ليته كان تهافتا على دعم الإصلاح، وتأييد محاربة الفساد، إلى جانب توحيد الموقف الوطني، حكما ومعارضة، لمواجهة المأساة.
القرار القضائي فاجأ الجميع. صحيح. أما رد فعل البعض، فلم يفاجئ أحدا، فأصحابه سارعوا إلى تحويل قضية، تؤكد معلومات الـ OTV أنها عولجت ضمن الأطر المناسبة، وبناء على تأكيد التزام لبنان معاهدة فيينا التي أقرت عام 1961، سارعوا إلى تحويلها عنوانا من عناوين تجارتهم السياسية، فأغرقوا مواقع التواصل ووسائل الإعلام بالتصريحات المستنكرة والتغريدات المستهجنة، فيما لا يسمع لهم صوت عادة، ازاء التعرض لمكون لبناني أساسي، وللتدخل في شؤون لبنان الداخلية.
مشكلة لبنان، أيها اللبنانيون، هي في أداء بعض الداخل، قبل تدخلات معظم الخارج. فبعض الداخل هو من يشارك في الفساد ويغطيه ويحمي أركانه. وبعض الداخل هو من يستجلب التدخلات الخارجية من كل حدب وصوب، وبعض الداخل هو من جعل لبنان رهن إشارة صندوق من هنا، أو مساعدة دولية من هناك، مترقبا تصريح سفير، أو كلام وزير خارجية، لمحاولة استشفاف المصير.
أيها اللبنانيون، مرة أخرى، لا تضيعوا البوصلة. فمن أوصل البلاد إلى ما هي فيه معروف: من تنصلهم ومن ارتكاباتهم تعرفونهم واحدا واحدا، بالاسم والتاريخ وسجل الارتكابات.
في لبنان أزمة متعددة الرؤوس، وكل رأس من رؤوسها متعدد الفروع. أما الحل، فواحد، فالمدخل إليه محدد، لمن يهمه الأمر. الحل يبدأ بالتمييز بين سوق عكاظ بعض السياسيين، والسوق السوداء التي خربت البلاد في موضوع الدولار وغير الدولار.
وإذا كانت آخر تجليات سوق العكاظ السياسي، التسابق على هجاء القرار القضائي المفاجئ، فتجليات السوق السوداء يومية، آخر تداعياتها اليوم أزمة متجددة حول سعر الرغيف، وقبلها ومعها وبعدها، عشرات الأزمات المتوالدة، التي تتطلب أكثر من هجاء واستنكار واستهجان من المسؤولين المباشرين، وصمتا مطبقا على الأقل، إن لم تكن المحاسبة متاحة راهنا، من قبل مرتكبيها المجرمين المعروفين.