أربع ساعات وعشرون دقيقة تقريبا، ويبلغ لبنان الكبير المئة عام من العمر.
“أول مية صعبين”. هكذا يقال. غير أن عمر الأوطان لا يقاس بالسنوات، ولا بالصعوبات، بل بالتوق إلى مواجهة التحديات، والقدرة على انتزاع الفرص من بين براثن الأزمات، وإرادة تحويل السلبيات إلى إيجابيات… وهكذا كان تاريخ لبنان على مدى مئة عام.
فالحرب العالمية الأولى والمآسي التي رافقتها، وبينها المجاعة، حولها اللبنانيون فرصة لتركيز حدود لبنان التاريخية، فكان الأول من أيلول 1920، ونشوء لبنان الكبير، في يوم واحد توج آلاف السنوات من عمر الحضارات.
ومرحلة الانتداب بين عامي 1920 و1943، وما اعتراها من انقسامات، حولها اللبنانيون إلى فرصة لتأسيس جمهورية ووضع دستور وإنشاء مؤسسات.
والحرب العالمية الثانية وأوجاعها، حولها اللبنانيون فرصة لتحصيل الاستقلال، فكان الميثاق الوطني، ثم الثاني والعشرون من تشرين الثاني 1943، فالجلاء في الواحد والثلاثين من كانون الأول 1946.
ونشوء الكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين، حوله اللبنانيون فرصة للتضامن بين العرب، فكانت المواقف المشرفة لكبار الرموز اللبنانيين دعما للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية ومن على أعلى منابر الأمم.
والتحولات الشرق أوسطية المتسارعة بين عامي 1948 و1975، حولها اللبنانيون فرصة لتعزيز الاقتصاد والوضع المالي، فكانت سنوات البحبوحة، ولبنان ما قبل الحرب.
أما حرب 1975-1990، وما أدت إليه من خسائر في الأرواح ودمار في الممتلكات، فجعل منها اللبنانيون فرصة لتعزيز الانتماء إلى لبنان، وكان أن جاء في مقدمة الدستور المعدل أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأن لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، وأن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
ومرحلة الوصاية السورية بتوافق إقليمي-دولي بين عامي 1990 و2005، حولها اللبنانيون فرصة لتعزيز التوق إلى الحرية والسيادة والاستقلال، في موازاة مقاومة العدو الإسرائيلي، فكان دحر الاحتلال عام 2000 وإخراج الوصاية سنة 2005.
أما مرحلة 2005-2020، التي شهدت فوضى دستورية غير مسبوقة، وتفلتا من تطبيق القوانين، وفسادا استشرى اينما كان، فحولها اللبنانيون فرصة لتكريس الميثاق على أسس سليمة، والانفتاح على طروحات تطويرية للنظام السياسي، حتى باتت الدولة المدنية مطلبا عابرا للطوائف والمذاهب، وصولا إلى جعله محور رسالة رئيس الجمهوية إلى اللبنانيين في مئوية لبنان الكبير.
“أول مية صعبين”. هكذا يقال. وهكذا كان عمر لبنان الكبير. لن نقول “عقبال تاني مية يكونوا هينين”، بل “عقبال تاني وتالت ورابع مية”، أن تكون سنوات تصبح فيها إرادة اللبنانيين أقوى على مواجهة التحديات، والانتصار على الصعوبات، بدءا بتحدي إخراج لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية الحالية، التي تلوح في شأنها بارقة أمل، يمكن بتضافر الجهود أن تتحول إلى فرصة جديدة، لتأسيس وطن جديد.