ويأتيك اليوم من يقول: إن ميشال عون هو المسؤول. بالمعنى الإيجابي، طبعا هو المسؤول. فرئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه، وفقا لأحكام الدستور. أما بالمعنى السلبي، الذي يقصده الخصوم، فالجميع مسؤول إلا هو: جميع المشترطين والمعرقلين، حديثي النعمة أو المخضرمين.
فالإثنين الماضي في 21 أيلول 2020، في الإطلالة الشهيرة التي حذر فيها من الذهاب إلى الجحيم إذا لم يستجب الأفرقاء لأفكار الحلول، طرح مبادرة تقضي بإلغاء التوزيع الطائفي للوزارات التي سميت بالسيادية، وعدم تخصيصها لطوائف محددة، بل بجعلها متاحة لكل الطوائف، فتكون القدرة على الإنجاز وليس الانتماء الطائفي، هي المعيار في اختيار الوزراء.
قبل ذلك، كان تكتل “لبنان القوي” يلتزم تسمية السفير مصطفى أديب، الذي رشحه رؤساء الحكومة السابقون، ومن بينهم رئيس تيار “المستقبل”، تأكيدا للموقف الميثاقي الثابت، الداعي إلى احترام صاحب التمثيل القوي في بيئته، إلا إذا رفض.
وتزامنا مع الخطوتين، كان التأكيد الدائم من النائب جبران باسيل تحديدا للموقف المسهل ولادة حكومة فاعلة ومنتجة، وقادرة على تطبيق برنامج إصلاح متفق عليه في زمن محدد.
فمن بعبدا بعد استشارات التكليف، ومن عين التينة اثر استشارات التأليف، وفي الكلمة التي ألقيت في 13 أيلول، كان الموقف واضحا: “نحنا عارفين شو بدنا”، ونحن مسهلون لتأليف الحكومة بكل ما يتطلبه الأمر.
غير أن الموقف المذكور لم يمنع طرح أسئلة عدة، من باب النصح والتنبيه، ومع التشديد الدائم على الموقف المسهل، ولو لم تأت الأجوبة، فحتى في موضوع المداورة، لا نريد فتح جدل، ونمشي بالذي يتم الاتفاق عليه من دون أن نعترف بتكريس عرف، قال يومها باسيل.
السؤال الأول: لماذا رفض اعتماد المداورة بهذا الظرف بالذات، عندما تقدر أن تكون عاملا مسهلا ولا تمنع حصول أي طائفة أو فريق على أي وزارة؟. السؤال الثاني: لماذا الإصرار على إسناد أكثر من حقيبة للوزير، في وقت بالكاد يقدر أن “يلحق” على وزارة، فكيف بوزارتين؟. السؤال الثالث: لماذا الإصرار على تأليف حكومة من قبل فريق واحد، ومن دون تشاور مع أحد تحت عنوان الإختصاص وعدم الولاء الحزبي والاستقواء بالخارج، خصوصا أن هذا الفريق لا يملك أكثرية نيابية؟.
أما الخلاصة، فعلى الشكل الآتي: هل هكذا نؤمن مناخا إيجابيا لعمل الحكومة مع رئيس الجمهورية؟، وهل هكذا نؤمن ثقة للحكومة من المجلس النيابي؟، وهل هكذا نؤمن تعاونا للحكومة مع المجلس النيابي لتنفيذ البرنامج الإصلاحي، أو نكون نعطل المبادرة الفرنسية ونتسبب بفشل البرنامج الإصلاحي؟، وهل هذا المطلوب، أي عدم تنفيذ الإصلاح؟.
الجواب الذي تأخر، أتى مدويا اليوم، باعتذار مصطفى اديب، المقرون بتصعيد سعودي كبير ضد “حزب الله”، من خلال كلمة العاهل السعودي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى جانب رفع السقف الأميركي بالعقوبات، ومن خلال الموقف الأخير لدايفيد هايل، الذي صوب بوضوح على الأكثرية النيابية الحالية، ملمحا إلى استثمار الوضع الشعبي لتغيير الصورة.
كيف ستتعامل فرنسا مع كل هذا المشهد الداخلي والخارجي؟. المصادر أكدت اليوم أن المبادرة مستمرة. أما قطع دابر الشك باليقين، فيتطلب انتظار المؤتمر الصحافي الذي يعقده الرئيس ايمانويل ماكرون قبل ظهر الغد.
ومن الآن وحتى بلورة المخارج والحلول: نجنا من الشرير، كي ننجو من الجحيم.