الغباء السياسي ظاهرة معروفة حول العالم، لكنها متفشية بشكل كبير في لبنان، أو أقله هذا ما كشفته بعض المظاهر إثر إعلان فرض العقوبات على جبران باسيل أمس، وأبرزها الآتي:
أولا، مسارعة بعض الوجوه السياسية والإعلامية، وبعض الناشطين على مواقع التواصل، إلى الاستنتاج بأن العمر السياسي لباسيل انتهى، وأن احتمالات انتخابه رئيسا للجمهورية في المستقبل سقطت، وصولا إلى القول إن الحالة الوطنية التي يمثلها اليوم ستؤول إلى الاضمحلال، بعد الضربة القاضية التي تلقاها رئيس الجمهورية بشكل غير مباشر عبر العقوبات على باسيل.
وقد فات هؤلاء، على الأرجح، أن الأعمار السياسية بيد الشعب، لا العقوبات الخارجية، وأن الشعب إنما يقول كلمته في صناديق الاقتراع بناء على قوانين انتخاب تحقق التمثيل الصحيح.…كما فاتهم ربما أن رؤساء الجمهورية في لبنان لا ينتخبون إلا إذا ترشحوا أولا، وإذا تمتعوا بقوة تمثيلية أساسية في بيئتهم المباشرة ثانيا، وإذا نالوا الحد الأدنى من الدعم الوطني ثالثا، من دون أن ننسى طبعا المعادلات الإقليمية والدولية التي تتبدل بين يوم وآخر.
أما اضمحلال الحالة العونية، فنحيل الحالمين به إلى الثالث عشر من تشرين والتحالف الرباعي وسائر محطات الاغتيال السياسي المستمرة منذ ثلاثة عقود على الأقل.
أما ثاني مظاهر الغباء السياسي، فحفلات الشماتة التي حفلت بها مواقع التواصل، من جانب بعض خصوم باسيل و”التيار الوطني الحر”، حيث بلغت سخافة بعض التعليقات دركا غير مسبوق، من دون أن يكلف كثيرون أنفسهم عناء موقف وطني بالتضامن مع مواطن يتعرض لاعتداء خارجي، ولو معنوي، على عكس السياسة المنتهجة من “التيار” الذي طالما وقف مع الداخل في مواجهة الخارج، وهو ما تكرس أخيرا بالموقف الرسمي ل”التيار” من العقوبات على علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
غير أن ثالث مظاهر الغباء السياسي، يختصرها اتهام رئيس الجمهورية بأنه، ولأسباب قربه السياسي والعائلي من باسيل، طلب اليوم من وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه إجراء الاتصالات اللازمة مع السفارة الأميركية في بيروت والسفارة اللبنانية في واشنطن، للحصول على الأدلة والمستندات التي دفعت بوزارة الخزانة الأميركية إلى توجيه الاتهامات وفرض العقوبات، فيما الحقيقة أنه بعد انزال العقوبات بحق خليل وفنيانوس، طلب الرئيس العماد ميشال عون من الوزير وهبه نفس ما طلبه اليوم بالنسبة إلى باسيل.
في كل الاحوال، تبقى الأنظار مشدودة نحو الكلمة التي يلقيها رئيس “التيار” ظهر الغد، والتي تنقلها الOTV مباشرة على الهواء، علما أن الهيئة السياسية في “التيار” أسفت اليوم لقيام الإدارة الأميركية على عتبة انتهاء الولاية الرئاسية، باستخدام هيبة بلادها ونفوذها وقوتها لكسر إرادة لبنانية حرة. ودعت الهيئة السياسية الإدارة الأميركية إلى العودة عن قرارها الظالم، وحضتها على إبراز أي أدلة أو مستندات أو معلومات في حوزتها تبرر قرارها. وهي، بالتأكيد، بما تملك من قدرات وتحكم بالنظام المصرفي العالمي، إضافة إلى أجهزة الاستخبارات التي لديها أو تلك التي تستعين بها، قادرة على إبراز ما لديها من وثائق، في حال توفرها، بدل الاكتفاء بإنشائيات وعموميات وكلام مستهلك، اعتدنا سماعه من بعض أبواقها في لبنان.
وبعيدا من الشأن اللبناني، ومن دون إقرار الرئيس الحالي بالنتيجة أو صدورها رسميا، أعلنت غالبية وسائل الاعلام الأميركية هزيمة دونالد ترامب، وفوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة، بأكبر كم من الأصوات يحصل عليه رئيس منتخب في تاريخ الولايات المتحدة، ليصبح أكبر رئيس عمرا ينتخب في تاريخ البلاد، حيث بلغ قبل أسبوعين الثمانية والسبعين عاما، كما انه الرئيس الكاثوليكي الثاني بعد جون كينيدي.