التدقيق الجنائي مهم… لكن المهم أيضا أن يعرف اللبنانيون الحقيقة: حقيقة من طرح الفكرة أساسا، وحقيقة من نصب لها الأفخاخ ووضع المطبات، وصولا إلى تسديد الضربة الأقوى، بدفع الشركة التي كلفها مجلس الوزراء إلى الانسحاب.
التدقيق الجنائي مهم، لأنه المدخل العملي إلى الإصلاح الفعلي، ولأنه بات شرطا من شروط المجتمع الدولي لمساعدة لبنان، وقد ورد ذكره في الورقة الفرنسية، وعلى لسان الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الفرنسية من على أرض لبنان، إضافة إلى عدد كبير من المسؤولين من حول العالم.
أما الحقيقة، فمهمة أيضا: حقيقة المنادين بالإصلاح بالقول والشعارات، وحقيقة العاملين له بالفعل والممارسات… فزمن تعميم الاتهام بالفساد يفترض ان يكون مضى، ومرحلة مساواة الضحية بالجلاد يجب أن تكون انقضت، بمجرد أن ذاب الثلج وبان المرج، ومرج لبنان شخصيات وقوى سياسية، وهيئات وفاعليات اقتصادية ومالية، إلى جانب منادين بثورة، فيما هم في الواقع سارقو أحلام الناس، ومجيرو الانتفاضة المحقة، لأهداف سياسية باتت مفضوحة.
فمن طرح التدقيق الجنائي قبل أحد عشر عاما على الأقل، ومن كشفت رعايته السياسية فضائح قطع الحساب والهبات والسمسرات والصفقات على مدى أعوام، ومن فرض إقرار موازنات للدولة بعد سنوات من الغياب، ومن دعا إلى عشرات الاجتماعات الاقتصادية والمالية وتحدث عن وجوب تعزيز الاقتصاد المنتج منذ عقود، لا يمكن أن يساوى بمن منع التدقيق، وبمن في ظل حكمه أو تحت غطائه طار قطع الحساب، وصارت الهبات في الجيوب، وازدهرت السمسرات والصفات، ومنع إقرار الموازنات، ولا يمكن كذلك أن يساوى بمن شارك في اجتماعات ونكث بمقررات، وبمن نهجه الاقتصادي الريعي، نعيش تداعياته اليوم.
في كل الاحوال، الجمعة المقبل اللبنانيون على موعد مع الحقيقة. فالرئيس ميشال عون، وبحسب صلاحياته الدستورية، وجه رسالة الى مجلس النواب، ونقاشها سيتم بعد ثلاثة ايام. وما على اللبنانيين هذه المرة، إلا المتابعة، واتخاذ موقف، لأن بين الحق والباطل، لا مكان لأي حياد.