وسط أدغال السياسة اللبنانية التي تعج بالشخصيات والقوى المفترسة، فضلا عن أغصان المصالح المتشابكة التي تكاد تجعل المرور متعذرا، لا يزال الإصلاحيون الحقيقيون مصرين على شق الطريق لهم ولسواهم من اللبنانيين، متحدين خلال المسيرة الصعوبات الكثيرة.
وعند كل أزمة، لا بد من وقفة لقراءة المشهد، ورسم خارطة الطريق للمرحلةالمقبلة: حول أحداث طرابلس، النظرة قلقة، فالأحداث المؤلمة يتأكد يوما بعد يوم أن وراءها عقل يضمر الشر للمدينة وأهلها الطيبين، ويستغل الضائقة المعيشية الحقيقية التي يعيشونها، والتي سببها الأول هو هؤلاء المستغلون الذين يبتغون تحقيق أهداف مشبوهة، ظهرت معالمها، بضرب هيبة الدولة وبروز نغمة الأمن الذاتي.
أما سببها الثاني، فهو أن عاصمة الشمال حرمت من الإنماء طويلا جدا بفعل تقصير واضح ممن تولى من أبنائها المسؤوليات، وهي كانت تستحق دائما، أن تخصص بخطة شاملة، تؤمن فرص عمل حقيقية لا وهمية لأهلها الشرفاء، وتحررهم من الإرتهان الزبائني للسياسيين، وتحميهم من أي إستغلال لمصلحة أي مشروع مشبوه.
وحول أحداث عاصمتنا الثانية أيضا، الدعوة دائمة الى الجهات القضائية والأمنية الى محاسبة من ثبت تورطهم بالجرم المشهود، سواء أدوات أو محركين، والى القوى الأمنية لحماية المؤسسات والممتلكات من أعمال الشغب، مع التحذير من أن خطاب الشحن اليومي، وما يتضمنه من حقد وكراهية، هو الذي يتسبب بتوتير النفوس ويولد مناخا للإنفجار الذي كلما يقع، يبدأ أصحاب التوتير بالبكاء والنحيب على مدينة كانت وستبقى رمزا للانفتاح والتسامح، لكنها لن تغفر لمن يستغل وجعها الحالي.
أما حول الحكومة، فمأساة طرابلس تستدعي من رئيس الحكومة المكلف الإسراع في التشكيل بالإتفاق والشراكة الكاملة مع رئيس الجمهورية، لتبصر النور حكومة تحظى بدعم سياسي ووطني واسع، بناء على برنامج إصلاحي يستجيب لتطلعات اللبنانيين ويقنع الدول المعنية بالمساعدة، وفي مقدمتها فرنسا.
وفي كل الاحوال، إن الإعتبار الوطني يحتم أن يتوجه رئيس الحكومة المكلف فورا الى القصر الجمهوري، ويقلع عن التلهي برمي الآخرين بما هو غارق فيه، من مآزق وتشابكات سياسية محلية وإقليمية وإنتظارات دولية. أما منطق “تربيح الجميلة” بالحرص على حقوق المسيحيين فمرفوض، حيث يصدر من جانب الذين رفضوا الإعتراف بشرعية الممثل الأكبر للمسيحيين، فعرقلوا إنتخابه سنتين ونصف السنة، الى أن فرضت حاجتهم لرئاسة الحكومة أن يوافقوا على انتخابه.
فهل من داع لتذكير من يدعي الحرص على المسيحيين أنه مع حلفائه أعاق صدور قانون عادل للإنتخابات النيابية حتى العام 2018، وغيب الشراكة في الحكومات منذ مطلع التسعينات لغاية العام 2008، وسعى دائما الى خفض مستوى شراكتهم في مجلس الوزراء كما حصل في حكومة ما بعد إنتخابات 2005 وغيرها؟.
أما حول الإجراء القضائي السويسري في قضية حاكم مصرف لبنان، فيجب أن يشكل دافعا للحكومة لطلب المساعدة لكشف التحويلات المشبوهة للأموال الى الخارج وإعادتها الى النظام المالي اللبناني، فتتحرك دبلوماسيا وقانونيا وتكلف مكتبا حقوقيا متخصصا يقوم بالبحث داخليا وخارجيا عن هذه الأموال، ويطالب بها بإسم الدولة، كما عليها إطلاق العمل بعقد التدقيق الجنائي وتذليل كل الحجج والذرائع، حيث بات مفهوما أن هذا التدقيق يشكل نواة المبادرة الفرنسية، وشرطا أساسا لمساعدة لبنان ووضعه على سكة التعافي.
ما سبق، بعض مما جاء في بيان الهيئة السياسية “للتيار الوطني الحر” اليوم من مواقف. غير أن الخبر الأبرز، تلقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ظهر اليوم، اتصالا هاتفيا من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيث تداول معه في الأوضاع الراهنة، وما آل اليه مسار تشكيل الحكومة العتيدة. وجدد الرئيس الفرنسي التأكيد على “وقوف بلاده الى جانب لبنان في الظروف الراهنة، ومساعدته في مختلف المجالات لا سيما في ما يتعلق بالملف الحكومي”.
وشكر الرئيس عون الرئيس ماكرون “على مواقفه الداعمة للبنان وحرصه على تعزيز العلاقات اللبنانية-الفرنسية وتطويرها في المجالات كافة”، منوها خصوصا بالمبادرة الرئاسية الفرنسية المتعلقة بالمسألة الحكومية، ومجددا الترحيب بزيارة الرئيس ماكرون للبنان.
أما ما تبقى من عناوين في البلاد، فأولها معركة الحياة او الموت المستمرة مع كورونا، التي نعود الى جديدها في سياق النشرة.