إذا كان الشعب اللبناني اليوم موحدا أكثر من أي يوم مضى على مستوى المطالب الاقتصادية والمالية، ومتفرعاتها المعيشية والاجتماعية، بغض النظر عن السياسة، فالسياسيون اللبنانيون موزعون بين ثلاث فئات:
فئة أولى من الطامحين، الذين برزت أسماؤهم بعد انتفاضة 17 تشرين، وبينهم ناشطون على مواقع التواصل وإعلاميون وفنانون. من حق هؤلاء طبعا أن يطمحوا إلى العمل السياسي. لكن هذه الفئة بمجملها، لم تنجح بعد في تقديم مشروع واضح، كي يختارها الناس على أساسه إذا شاؤوا، حيث تتباين الآراء حول الشاردة والواردة في المضمون، وحدث ولا حرج عن الشكل، حيث لا هيئة موحدة، ولا حتى مجموعة هيئات معلنة للتحاور معها، أو على الأقل، للدخول معها في نقاش جدي حول عناوين الالتقاء او الاختلاف.
أما الفئة الثانية من السياسيين، فهي تلك التي تتحين الفرصة للانقضاض على ما تحقق منذ عام 2005 على مستوى الشراكة الوطنية بمختلف مندرجاتها. وإذا كان بعض أعضائها مستترين، فأحدهم يصول ويجول لعل وعسى، وآخر لا شغلة له ولا عملة، إلا التنغيم على تويتر، لكن بمعزوفة وحيدة هي التهجم على العهد بشكل مباشر أو غير مباشر.
أما الثالث، الذي يزعم المبدئية في المواقف، وينأى بنفسه عن طبقة حاكمة طالما كان في صلبها، فبديله الوحيد إعادة القوى التي ارتكبت كل المعاصي الاقتصادية والمالية، والتي غطت الفساد على مدى عقود، إلى نيل الاكثرية النيابية، مصرا على إيهام الناس بأن هذه هي خارطة طريق الخلاص.
وأخيرا وليس آخرا، فئة واحدة، تتلقى يوميا سهام كل الفئات الأخرى. فئة، كان لها الدور الأبرز في تحرير لبنان من عهد الوصاية الخارجية، وفي إخراج المكونات من عهد وصاية الداخل. معها، صار التوازن هو العنوان، ولم تعد المناصفة فارغة المضمون. معها، مطلب الإصلاح حقيقة، بدءا بالتدقيق الجنائي، مرورا باقتراحات القوانين المطروحة منذ زمن، كإنشاء المحكمة الخاصة بالجرائم المرتكبة على المال العام، واسترجاع الأموال المنهوبة والمحولة، وكشف الحسابات والممتلكات لكل متعاط في الشأن العام، ووصولا إلى المواقف الواضحة والأفكار اليومية…
ولأن الإصلاح مع هذه الفئة حقيقة، القيامة قائمة عليها من المتضررين الذين يعرفهم الناس، إسما إسما، وقوة سياسية قوة، تماما كما يعرفون المعطيات العلمية والطبية الدقيقة حول لقاح كورونا، من تلك التي يروج لها البعض، تحت مسمى كشف المؤامرات.
يبقى في النهاية، أن لبنان ودع اليوم الناشط لقمان سليم، في جنازة اثير الكثير حولها، ولاسيما على مواقع التواصل. لكن الأساس، يبقى الإيمان بحرية التعبير، أيا يكن الرأي الآخر، تماما كالإيمان بأن القضاء الحر وحده المخول إصدار الأحكام، وتحقيق العدالة.