الناس ثائرون غاضبون، لكن في البيوت والقلوب.
أما على الطرق، فالغلبة للقوى الحزبية، التي كشرت عن أنيابها بألسنة مناصريها وأناشيدهم وشعاراتهم ومشاهد سواترهم، التي تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل بكثافة.
الناس ثائرون غاضبون، طبعا. وهم محقون، لأن الوضع لم يعد يحتمل.
فلا التهرب الواضح من التدقيق الجنائي محمول، ولا نهج المماطلة في اقرار القوانين الإصلاحية وتطبيقها مقبول، ولا الارتفاع غير المسبوق في سعر صرف الدولار جراء التلاعب معقول.
أما محاولات القوى الحزبية المعروفة ألتنصل من مسؤولياتها التاريخية في ما وصلت إليه الأمور، عبر التحسر الكاذب على ما أصاب الناس، والتنكر المضحك بزي الإصلاح، وإلقاء اللوم المسيس على رئيس الجمهورية وتياره… كل تلك المحاولات صار اللبنانيون يعرفونها عن ظهر قلب، وأصبحت فاشلة في الشكل، وفارغة من المضمون.
وفي وقت يواصل مسؤولون كثيرون سياسة الهرب من تحمل المسؤولية في مواجهة الأزمة التي تسببوا بها هم قبل سواهم، بدءا بتجنب الاتفاق مع رئيس الدولة على تشكيل حكومة مقنعة للبنانيين وللمجتمع الدولي… حكومة صاحبة مشروع قابل للتطبيق، وتركيبة تكرس الميثاق وتحترم الدستور وتساوي بين المواطنين بوحدة المعايير… مرة جديدة بعبدا محط الأنظار، حيث يواصل رئيس الجمهورية تلقف كرة النار، تماما كما فعل منذ اثنين وثلاثين عاما، حين تخلف الجميع عن أداء الواجب، ليتقدم هو، قبل أن يتجمعوا ضده لأنه كشف أمام الرأي العام حقيقتهم البشعة.
وإذا كان في يوم عودته إلى لبنان عام 2005، توجه إلى اللبنانيين بالقول: ها آنذا أعود إليكم والعالم لم يستطع سحقي ولم يأخذ توقيعي، فها هو يواصل رفع التحدي أمامهم اليوم قائلا: أتيت لأحدث التغيير ولن أتراجع مهما بلغت الضغوط.
ضغوط ممارسوها مكشوفون، ولهم أهداف مفضوحة: حكومة كيفما كان، تستفرد عبرها قوى معروفة بالقرار، فتدفن التدقيق الجنائي في مهده، وتتعاطى مع الشراكة الوطنية المستعادة من منطلق أن “الضرب في الميت حرام”.
حرام أن يسكت اللبنانيون عن الخديعة مرة جديدة. وحرام ان تقع الضحية من جديد في فخ الجلاد، الذي ينجح في كل مرة بتصوير نفسه حملا وديعا، فيما هو في الحقيقة ذئب كاسر… ولن تكون جحور لذئاب السياسة في لبنان بعد اليوم.