قد تكون البلاد اليوم أمام فرصة جدية، ربما أخيرة، ليس لأن تشكيل الحكومة أنجز، ولا لأن المساعدات في طريقها إلينا، ولا لأننا عقدنا حوارا وطنيا قاربنا فيه العثرات الدستورية المعروفة، ولا لأننا فرضنا كشعب تغييرا ديمقراطيا شاملا كل الوطن والمكونات، وتوقف بعض سياسيينا عن مساعي قلب المشهد السياسي من ضمن مكون واحد محدد لغايات لم تعد خافية على أحد.
فكل ما سبق، لم يتحقق بعد، ولو أنه ضروري اليوم، او سيصبح ضروريا أكثر في مرحلة من المراحل،…فلماذا اذا الحديث عن فرصة جدية، ربما أخيرة؟. “أخيرة”، لسبب واحد بسيط، وهو أن الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي والمعيشي لم يعد يحتمل، وهذا واقع لا يحتاج الى كثير شرح، كما أن المتبقي من اهتمام دولي اليوم قد يتلاشى غدا، إذا ما استمر الامتناع عن التجاوب مع كل المبادرات والمساعي، لأسباب باتت مكشوفة.
أما “جدية”، فلجملة أسباب: أولا: لأن الوضع السيء لا يتأذى منه مكون من دون آخر، ولا حزب من دون آخر، ولا مسؤول من دون آخر،…فالضرر واقع على الجميع، والكارثة لا توفر أحدا، ولا تميز بين أحد وأحد.
ثانيا، لأن الرسالة الأخيرة لرئيس الجمهورية أعادت المياه الى مجاري التواصل، وأدت عمليا الى تهدئة سياسية تشكل مناخا مناسبا للبحث عن حل، وبفعلها زار رئيس الحكومة المكلف قصر بعبدا الخميس، محددا الإثنين موعدا لزيارة أخرى.
ثالثا، لأن الأمين العام ل- “حزب الله” قال كلاما واضحا ومحددا في الشأن الحكومي، يدخل في باب الحث على إنجاز التأليف مع مرونة معينة في مسألة الاختصاصيين والتكنوسياسيين، وإلا العودة الى مقاربات اخرى سياسية ودستورية،…وبالتأكيد فقد وصلت الرسالة جيدا جدا.
رابعا، لأن وليد جنبلاط زار القصر الجمهوري اليوم، وجدد الحديث عن تسوية، مشددا على أن الارقام لم تعد مهمة، ومعلنا أن لا مطالب درزية لديه.
خامسا، لأن “التيار الوطني الحر” لا يزال يوفر كل التسهيلات للتشكيل، مذكرا اليوم بالتحديد في بيان لهيئته السياسية، بأنه غير معني بالمشاركة في الحكومة، ويرغب بدعمها، ولكنه يحتفظ لنفسه بالحق بمنح الثقة او حجبها بحسب تشكيلة الحكومة، ومدى احترامها للتوازن والميثاق من جهة، وبرنامجها الإصلاحي ومقدار التقيد به من جهة أخرى، وفق المبادرة التي تقدم بها رئيس التيار في 21 شباط الفائت، والتي عرفت تحت عنوان “أعطونا الاصلاحات… وخذوا الحكومة”. والبداية من قصر بعبدا.