في الصفحة 165 من كتابه الشهير “قصتي مع الطائف”، يتحدث رئيس حزب الكتائب، وأحد أبرز أركان اتفاق الطائف، الوزير والنائب الراحل جورج سعادة، عن دور رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة فيقول: “من المعلوم أن الحكومة لا يمكن أن تشكل إلا بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية، وصلاحيته في هذا المجال مطلقة. لقد رفضنا في مناقشات اجتماعات الطائف اي نص يحد من صلاحيته هذه، رافضين كل الاقتراحات التي كانت تنص على إعطائه مهلة محددة لقبول التشكيلة التي يرفعها اليه رئيس مجلس الوزراء، او اللجوء الى مرجعية معينة لبت الموضوع كالمجلس النيابي”.
ويضيف الراحل الدكتور جورج سعادة: “من هنا، على رئيس الجمهورية أن لا يوافق على أية تشكيلة حكومية إذا لم يكن مطمئنا الى أعضائها، او على الأقل الى أكثر من ثلث الأعضاء، ليؤمن الى جانبه ما تعارفنا على تسميته بالثلث المعطل، الذي له اكثر من تأثير في مجريات الأمور داخل مجلس الوزراء”.
وهذا الموضوع أيضا، قيل إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان يتحدث عنه، كلما ذكر له أحد أن الطائف استهدف صلاحيات رئاسة الجمهورية لإضعافها.
لكن، في مطلق الأحوال، هذا الموضوع تجاوزه الرئيس ميشال عون منذ المرحلة الاولى للمشاورات، على اعتبار أن الحكومة المنتظرة هي حكومة اختصاصيين، وبالتالي لا حصص فيها ولا أثلاث. لكن، على رغم إعلان رئاسة الجمهورية في أكثر من بيان رسمي أنها لا تطالب بالثلث المعطل، ظل الموضوع تهمة سياسية تلاحق رئيس الدولة على ألسنة معرقلي التشكيل، في معرض إمعانهم في تخطي الدستور وضرب الميثاق، عبر الامتناع عن الاتفاق مع رئيس البلاد على تشكيلة تعتمد معايير واحدة، في التعاطي مع اللبنانيين.
غير أن ما فات كثيرين خلال تلك المرحلة، التي صار فيها العنوان الإعلامي والسياسي لدى الخصوم، اتهام فريق رئيس الجمهورية بمحاولة الحصول على الثلث المعطل،…ما فات كثيرين أن الفريق المقابل كان يعمل بشكل مستتر للحصول، لا على ثلث معطل فقط، بل على نصف مسيطر، أي على النصف زائدا واحدا من عدد الوزراء، ما يجعله عمليا قادرا على التحكم بقرارات حكومية كثيرة، ويضع التدقيق الجنائي وسائر الإصلاحات، في مهب الريح.
وهذا هو تماما ما تحدث عنه بيان المجلس السياسي “للتيار الوطني الحر” اليوم، حيث أعلن بوضوح تام أن “التيار “يرفض إعطاء الرئيس المكلف وفريقه النصف زائدا واحدا في الحكومة، لأنه سيستعمله لمنع الإصلاح وتعطيل التدقيق الجنائي، وفرملة كل محاولات محاربة الفساد”.
وعلى هذه النقطة بالذات، سارع المكتب السياسي ل- “تيار المستقبل” الى الرد ببيان لا يخلو من الشخصانية بالقول: “إن رئيس “التيار الوطني الحر” يتعمد اللعب على حافة التحريض الطائفي، ويقفز من معيار الى معيار ليضمن الوصول الى الثلث المعطل، ويخترع للرأي العام اللبناني حجة جديدة و”بعبعا” سياسيا اسمه النصف زائد واحد للرئيس المكلف”.…علما ان “البعبع” الذي يمنع التأليف وفق أوساط “التيار الوطني الحر” يبقى التدقيق الجنائي الذي يخشاه أفرقاء معروفون ويعطلون التأليف منذ خمسة اشهر، على أمل نيل أكثرية وزارية قادرة على الإطاحة به.
في كل الأحوال، في انتظار بلورة المشهد الحكومي في ضوء ما يحكى عن مبادرات، لا يزال بعض من كان يعول عليهم للتغيير يخطئون في العنوان، فالتظاهرات، كبيرة كانت أم صغيرة، لا ينبغي أن توجه ضد قصر بعبدا، اذا كان هدف القائمين بها هو فعلا الإصلاح. فقصر بعبدا بمن فيه اليوم هو رأس حربة الإصلاح. ليس منذ اليوم، بل منذ عقود، منذ زمن المنفى، حيث كان يطالب مذ ذاك بالتدقيق وبالحسابات، على ما هو موثق عشرات المرات بالصوت والصورة.أما عناوين الفساد والفاسدين، فيعرفها جيدا جميع اللبنانيين،…ويكفي إضاعة للوقت.