في النهاية، لا حكومة في لبنان إذا كان تشكيلها يتجاوز الدستور ويضرب الميثاق، ولا يعتمد معايير واحدة تساوي بين اللبنانيين.
ما سبق ليس استشرافا ولا تنبؤا ولا معلومة، ولا حتى قراءة معينة لمشهد إقليمي ودولي معقد، بل استنتاج منطقي انطلاقا من الوقائع السياسية التي أفرزها انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية عام 2016، وهي وقائع لا يزال يتعامى عنها كثيرون، محاولين تخطيها مرحليا، وعاملين على مختلف الخطوط الداخلية والخارجية، في محاولة لقلب الموازين على المدى الأبعد، والعودة بالبلاد ليس فقط الى ما قبل 2016، بل الى مرحلة ما قبل 2005، بعيوبها الميثاقية وشوائبها التشاركية المعروفة.
وفي كل الاحوال، كلا، الحديث عن الميثاقية ليس طائفية، بل العكس هو الصحيح. وكلا، التمسك بصلاحيات رئيس الجمهورية ليس خروجا على الطائف، بل العكس هو الصحيح، خصوصا في ضوء التصريحات والمقابلات والتغريدات التي لم تعد تخفي هدف تحويل رئاسة الدولة، الى مجرد منصب شكلي وبروتوكولي.
وهذا هو بالضبط ما رفضه البطريرك مار بشاره بطرس الراعي في عظة عيد الشعانين، حيث أكد أن “رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف محكومان بالتشاور وبالإتفاق وفقا للقاعدة التي جرت منذ التعديلات الدستورية عام 1990 ما بعد الطائف، إذ كانا يحددان معا المعايير ويختار كل منهما وزراء، ثم يتفقان على التشكيلة برمتها”.
وما شدد عليه الراعي اليوم هو بالتحديد ما لم يكن حاصلا منذ خمسة أشهر الى الآن، حيث كان هناك من يسعى بصراحة تامة، الى منع الرئيس من المشاركة في انجاز التشكيلة كاملة، وحصر دوره باختيار عدد صغير من الوزراء، وصولا الى محاولة فرض تشكيلة كاملة سيئة بكل المعايير عليه وعلى الشعب اللبناني، ومحاولة تخيير الجميع بين الموافقة عليها كما هي، او تحمل المزيد من التدهور السياسي والمالي والمعيشي،…وهو بطبيعة الحال ما لم يمر، لا بل ما دفن بالكامل مع الصيغة الحكومية المرفوضة.
فهل من صحوة ضمير اليوم، في ضوء ما يحكى عن مبادرات جديدة؟.التجارب غير مشجعة، لكننا كشعب لبناني لم نتعود يوما على فقدان الأمل، فتاريخنا محاولات مستمرة لتحويل أزماتنا الى فرص وواحات أمل.
وفي حال كانت النية جدية هذه المرة، فلتصمت الأبواق، وليعلو صوت الحق. والحق تختصره اليوم كلمات ثلاث: الدستور والميثاق والمعايير،… والباقي تفاصيل في سياق نشرة الأخبار.