حصلت في أيلول محاولة للتأليف، وطرحت صيغة وصفت برفع العتب أو جس النبض أو استطلاع مواقف ولم تكتب لها الحياة، وبقي التأليف أسير عنق الزجاجة.
مع تباشير تشرين يدخل الوضع مرحلة جديدة. الوضع الاقليمي وفي الجوار يزداد توترا وسخونة. الوضع الدولي يزداد تخليا وابتعادا عما يسميه الأميركيون خاصة تفاصيل وهوامش صغيرة في الصورة الكبيرة. الوضع الداخلي يزداد حراجة اقتصاديا ومعيشيا وحياتيا وسياسيا، والجميع مدرك ان الخسارة إن وقعت لن تكون لفئة أو لجهة أو لطرف بل للبلد ككل.
في تشرين ستكون محاولات لفتح ثغرة في جدار التأليف السميك. البعض يرفع من سقف مطالبه، وينادي من على سطح غيره بأعلى صوته للتذكير بأنه موجود فحسب. أما بين الجدران الأربعة فكلام آخر عن المرونة والواقعية وأكل العنب وليس قتل الناطور، واستحضار كل الأمثال والأقوال في معجم التجربة اللبنانية.
التوقف عند مواقف مراجع وأقطاب ضروري: لنبدأ مع رأس الدولة، الرئيس عون وفي خلاصة لمواقفه بين نيويورك وال”فيغارو” و”rt”، ان العقدة خارجية بأصوات داخلية، وان حكومة الأكثرية هي المخرج إذا سدت أبواب حكومة ائتلاف- ولم يستعمل عبارة حكومة وفاق- وانه من الخطوات التي قد يلجأ إليها التوجه إلى المجلس النيابي، وأيضا ان السائرين في خطه والمؤيدين له قد يختارون البقاء خارج الحكومة.
غيض من فيض مواقف حاسمة ومعبرة لرئيس الجمهورية، ناهيك عن الموقف الثابت وغير المتغير من المقاومة، والاصرار على مواجهة استهتار المجتمع الدولي بتضحيات لبنان في موضوع النازحين وادارة الظهر له، بالاصرار والاستمرار في نهج التصدي للتوطين المقنع والتآمر المفضوح لابقاء النازحين حيث هم، تحت حجج وأعذار وأسباب كاذبة ومضللة.
مواقف الرئيس الحريري جديرة بالتوقف عندها: كلام مسؤول من أمام المحكمة الدولية، فاصلا بين موقعه كرئيس حكومة وموقفه كنجل الشهيد، مؤكدا بشكل غير مباشر ان التعاون مع “حزب الله” مستمر أيا يكن الحكم الذي ستصدره المحكمة الدولية. مع العلم ان الرئيس الحريري حرص منذ اللحظة الأولى للتكليف، على ان لا حكومة من دون “حزب الله” ولا حكومة من دون التفاهم معه. من دون اغفال الاشارة إلى ان الصيغة التي رفعها الحريري إلى رئيس الجمهورية منذ أسابيع، تضمنت اعطاء وزارة الصحة للحزب، بالرغم مما قيل عن تحفظات دولية وأميركية على إعطاء الحقيبة ل”حزب الله”.
الموقف المهم الجدير بالمتابعة هو ل”حزب الله”: احترام وتأييد وإشادة بمواقف الرئيس عون في ال”فيغارو” والأمم المتحدة. ومراعاة ومداراة لخطوات وهواجس الرئيس المكلف، تجلت في جلسة تشريع الضرورة، بالوقوف إلى جانبه في موضوع “سيدر”، وعدم تحميله لوحده مسؤولية التأخير في التأليف، وسحب موضوع العلاقة مع سوريا من التداول.
مواقف هذه المرجعيات والشخصيات، ترسم صورة واضحة لمشهد الأحداث، ما يؤشر إلى طبيعة المرحلة المقبلة، ولنتجاوز ما يقوله الآخرون. قد يكون أيلول خيب الآمال بأن يكون طرفه بالحكومة مبلول، لكن المأمول ان بين تشرين وتشرين حل أكيد، ليس لأن العهد مستهدف فحسب، بل لأن لبنان كله ككيان ودولة في خطر، وهذا ما لن يحدث في عهد ميشال عون.