حتَّى وليد جنبلاط ضيَّعته التقلباتُ السورية الأخيرة… لم يُسعفْه ارتشافُ القهوة صباحاً في التنبه إلى خلفيات القرار الروسي الأخير، ولا أعانه تناولُ “منقوشة الزعتر” في تنشيط الذاكرة، لمحاولة تفسيرِ كيف أن المَهمة الروسية انتهت في سوريا تحت شعار ضرب الإرهاب، فيما داعش لا يزال موجوداً في غالب مقراته… إلا إذا بدأ رسمُ خرائطَ جديدة للمنطقة، اعتباراً من الكيان الكردي الجديد… وفيما انهمك العالم اليوم بقراءة التحولِ الكبير من الشمال السوري، وما يؤشر إليه على صعيد الشرق الأوسط ككل، وفي موازاة تضارب المواقف السورية والإقليمية والدولية أو تقاطعِها، حول سبل التعامل مع الكيان الفيدرالي الناشىء، ظلَّ معظمُ السياسيين اللبنانيين مشغولين بسجالات الزواريب المحلية، التي يلحظ الجميع أنها بدأت، من دون أن يدريَ أحدٌ كيف تنتهي، وبغضِّ النظر عن المُحق أو المخطئ… كما في مأساة النفايات التي ستبدأ إزالتُها من الشوارع غداً، كذلك في سائر القضايا التي تُطرح على البساطين السياسي والإعلامي…فوزير التربية مثلاً، يعلن أن مجلس الوزراء على شفير الهاوية، ليردَ عليه وزير الإعلام الذي كان حاضراً على طريقته في الجلسة على الأرجح، بأن الوزيرَ نفسه هو على شفير تلك الهاوية، قبل أن يأتيَ الردُ على الرد بأنه لو كان رمزي جريج حاضرا فعلياً في الجلسة، لأدرك عمقَ الأزمة والهاوية.أما وزير الصحة، فيتمسك بالتأكيد أن القمح في لبنان مسرطِن، ويستند في موقفه إلى دراسات وأرقام وفحوص، ليرد عليه وزير الاقتصاد بكلام قاس، يستند بدوره إلى دراسات وأرقام وفحوص، باتت هي أيضاً في لبنان وجهةَ نظر، ولو كانت تُقامر بمستقبل اللبنانيين، وتتسلى بعقولهم، وتثير الرعبَ في قلوبهم، وتثير قلقَهم على صحتهم في خبزهم اليومي. فمن الأكثر مطابقة للمواصفات: اتهامات وزير الصحة ام ردودُ وزير الاقتصاد… هذا ما نتطرق إليه بعد ثلاثين ثانية فقط.