على مدى ثلاثة أعوام، ظل حاملاً سلم قيمه بالعرض … حتى حمّلوه الصليب … منذ ذلك العرس، وهو يمشي عكس التيار … كان الناس مرتاحين قبله … “مدبّرين” حالهم مع السلطتين. سلطة فجار المحتل وسلطة تجار الهيكل … وكانوا يعيشون من قلة الموت… تكيفوا مع الوضع منذ عقود… وزعوا أنفسهم وحيواتهم بين ثلاث وظائف: فهناك بينهم من هو مستعد لبيع أي شيء… وهناك من هو مستعد لشراء أي شيء… وهناك من يقبض العمولة على البيع وعلى الشراء … وكانوا راضين بعيشتهم. مثلهم مثل قطعان مواشيهم وغنمهم، سواء بسواء … حتى جاء هو… ظل ثلاثة أعوام يحرضهم بأن الحياة بلا حرية أسوأ من الموت… وأن الخبز بلا كرامة أشد ألوان الجوع … وأن السلطة بلا حقيقة ولا حق، أخبث صنوف الظلم والعهر والبؤس والكفر … ظل يحدثهم ويعظهم ويكرز ويخطب … حتى اقتنعت حفنة منهم … كان يعرفهم واحداً واحداً… ويعرف أن هذا سيخونه، وذاك سينكره، وذلك لن يصدقه. وأن رابعاً سيكتفي من كل ثورته بإيواء أمه بعد موته… وأن الباقين سيهربون ويختبئون … ومع ذلك لم يساوم. لم يقبل بتسوية. ولم يستسلم… حتى جلاده كاد يفاوضه على موته، وهو يصر على الموت. حتى حاكمه كان يبازره على مخرج، وهو متعنت حتى المطلق … ظلوا هم هم، وظل هو هو … حتى صلبوه اليوم… جلدوه وطعنوه حتى قتلوه… قبل ألفي سنة؟ بل اليوم وكل يوم … نحن تلامذة يسوع… نحن رسل أول ثائر وآخرصليب… لن نساوم. سنقاوم. سننتصر. بالصوت على الموت … إن بعد غد لناظره قريب!