قبل نحو 400 يوم، أعلن ميشال سليمان أن السعودية قررت تقديم هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار، من أجل تسليح الجيش اللبناني… 400 يوم، طويلة بطيئة، غادر سليمان قصر بعبدا بعد نصفها. وفارق ملك السعودية الحياة في نهايتها، ولم يصل السلاح إلى جيشنا بعد… 400 يوم، في حرب مفتوحة مع أسوأ بربرية في العصر الحديث، سقط خلالها الشهيد البطل نور الجمل. والشهيد البطل داني حرب. والشهيد البطل داني خيرالله. وانضم إليهم أمس الشهيد البطل أحمد طبيخ. ورافقهم عشرات الأبطال من جيشنا… ولم يصل السلاح بعد. لم يصل السلاح، مع أن السعودية جدية. ومع أن الملك عبدالله الراحل كان حاسماً في تقديم الدعم والعون. ولم يصل السلاح، مع أن جيشنا كان ولا يزال في أمسِّ الحاجة إليه، ووطنَنَا في حاجة قصوى إلى جيشنا وسلاحه… قيل أن السلاح لم يصل، لأن هناك من لم يقتنع بعمولته من الصفقة بعد. وقيل أن السلاح لم يصل، لأن هناك من لم يُقلع عن عمالته بعد. فالوسيط الفرنسي مصر على حصته من العمولة، 150 مليون دولار صافية عداً ونقداً. والوسطاء البلديون مصرون على اعتماد هذا التاجر دون سواه، وعلى اختيار هذه البارجة دون سواها، وعلى فرض هذه اللائحة لا غيرها … وكل ذلك بشكل مشبوه مريب، تفوح منه روائح السمسرات، كما تفوح من جرود أرضنا رائحة الموت والبطولات. حتى صار تجارُ السلاح الذي لم يصل بعد، تجارَ دماءٍ، وصلت إلى عرسال ورأس بعلبك وكل نقطة من حدود الوطن… لم يصل السلاح إلى الجيش. لكنّ أبطالَ جيشنا يقاتلون بسلاح إيمانهم، بسلاح عشقهم للوطن، وبسلاح نُذْرِهِم للحرية. أبطالُ جيشنا، يقاتلون بالسلاح الأبيض، يقاتلون بلا ذخيرة، إلا ذخيرةَ الشرف، بلا عتاد إلا عتاد التضحية، وبلا تجهيزات، إلا جهوزية الوفاء… اليوم، سقط آخر ثلاثةٍ من أبطال الجيش في رأس بعلبك. سقطوا بعدما فُقد الاتصال بهم. لكنهم سقطوا برصاص تكفيري في ظهورهم. تماماً كما كان تأخرُ السلاح، رصاصةً في ظهر الجيش. سقطوا شهداء، ثم فُخخت جثثهم. تماماً كما هو التسويفُ في تسليح الجيش، تفخيخٌ لكل الجيش ولكل الوطن…