وأكد المجتمعون تمسكهم بالمبادرة الفرنسية”.
هذا العبارة باتت لازمة يرددها الجميع بمناسبة أو من دون، منذ التعثر الذي أصاب المبادرة المذكورة، عند اندلاع الاشتباك حول وزارة المال، ثم اعتذار مصطفى أديب، وصولا إلى تكليف سعد الحريري، والمراوحة التي دخلت فيها البلاد على مستوى تأليف الحكومة.
الجميع إذا، يؤكدون تمسكهم بالمبادرة الفرنسية، وهذا ما شددت عليه غالبية اللقاءات التي عقدها اليوم موفد الرئيس الفرنسي، الذي جال على المسؤولين.
غير أن هذا التأكيد المستمر، على أهميته، لا يكفي ولا ينفع، طالما لم يقترن بأي ترجمة عملية، ما يستوجب التوقف عند الملاحظات الآتية:
أولا، من حيث الشكل، لعل الأهم من إبداء الأفرقاء اللبنانيين تمسكهم بالمبادرة، هو تمسك الجانب الفرنسي بها، والاستمرار بالدفع في سبيل تطبيقها، على رغم المطبات الكثيرة التي اعترضت، ولا تزال تعترض طريقها. وهذا ما يشدد عليه الفرنسيون بشكل دائم، من دون أن يمنع ذلك على الناس، أن يطرحوا سؤال: إلى متى؟
ثانيا، من حيث المضمون، وإذا سلمنا بأن الجميع مدركون بأن تشكيل حكومة المهمة هو المدماك الاول للمبادرة الفرنسية، فماذا قدم جميع المتمسكين بها قولا من أفعال، لتمهيد الطريق امامها، بكونها تشكل الفرصة الوحيدة المتاحة راهنا للبنان؟
رئيس الحكومة المكلف ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي زار قصر بعبدا ثماني مرات حتى اللحظة، تؤكد أوساطه أنه يسعى بكل ما أوتي من قدرة على إنجاز التشكيل، غير أن اللبنانيين الذين ملوا الانتظار بلا نتيجة، باتوا مشككين بالنوايا، وغير واثقين من أن الهدف هو الانقاذ، لا إعادة عقارب الشراكة، سنوات ضوئية إلى الوراء.
ثنائي حزب الله-حركة أمل الذي حصل وزارة المال، والحق بتسمية الوزراء، يختصر موقفه بإبداء اوساط رئيس مجلس النواب صباحا انزعاجها من التأخير في التشكيل، وتأكيده نهارا أن المدخل والمخرج الوحيد لخلاص لبنان، هو انجاز حكومة اليوم قبل الغد، على أن يكون وزراؤها إختصاصيين يحظون على الثقة التي ينتظرها المجلس النيابي بفارغ الصبر. أما محمد رعد، فاكتفى بعد لقاء الموفد الفرنسي بعبارات عامة، أبرزها أننا مسؤولون قدر المستطاع عن الاسراع في تشكيل الحكومة لأن البلد لا يحتمل.
أما وليد جنبلاط الذي كان سمى الحريري مشترطا تمثيلا وزاريا معينا، فيواظب نوابه على استغراب طرح شروط، في وقت تنأى القوات بنفسها عن الحكومة وتزايد سياسيا، وتتمسك الكتائب باستقالتها، وترفع كل يوم شعارا جديدا، في موازاة تمسك المردة بالسياسة المعتمدة منذ 2016.
يبقى التيار الوطني الحر، الذي تكرر أوساطه ما ورد في البيان الاخير لتكتل لبنان القوي، لناحية دعوة المعنيين بتشكيل الحكومة الى فصلها عن أي عامل خارجي، لأن الأساس هو قيام حكومة تستطيع ان تطبق الاصلاحات المطلوبة، وفي مقدمها التدقيق الجنائي وبنود المبادرة الفرنسية، انطلاقا من وحدة القواعد والمعايير.
أما على المستوى الرئاسي، فأبلغ رئيس الجمهورية مستشار الرئيس الفرنسي ان تطبيق المبادرة الفرنسية لن يتحقق الا من خلال حكومة موثوق بها، وقادرة على انجاز الإصلاحات المطلوبة، والتي وردت في الورقة التي تم الاتفاق عليها بين الرئيس ايمانويل ماكرون والقيادات السياسية اللبنانية، والتنسيق الفاعل مع الشركاء الدوليين الذين تعهدوا مساعدة لبنان.
وفي سياق آخر، اعتبر رئيس الجمهورية ان عملية التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، والتي تعتبر من أسس الإصلاح، تواجه بعراقيل عديدة تقابل باصرار على تحقيقها، وقد تم التمديد ثلاثة اشهر للشركة المختصة تأمينا لهذه الغاية.
ولفت رئيس الجمهورية الى ان الهم الأساسي حاليا هو استمرار الاستقرار في البلاد وسط العواصف الإقليمية والأزمات غير المسبوقة، فضلا عن تداعيات وجود النازحين السوريين والضائقة الاقتصادية وانتشار وباء كورونا، إضافة الى الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، لافتا الى ان العقوبات الأميركية التي استهدفت سياسيين لبنانيين زادت الأمور تعقيدا.
وذكر رئيس الجمهورية ان كل هذه الأوضاع تتطلب توافقا وطنيا واسعا لتشكيل حكومة تتمكن من تحقيق المهام المطلوبة منها بالتعاون مع مجلس النواب لاقرار قوانين إصلاحية ضرورية، مشيرا الى أهمية التشاور الوطني العريض في هذه المرحلة الدقيقة.