متأخرا قليلا عن الموعد، عاد سعد الحريري إلى بيروت، بفارق ثلاثة أيام عن تاريخ كان قد حدد في 21 أيلول. عاد زعيم “المستقبل” إلى بيته ووطنه. فاته اعتدال الخريف وسط الأسبوع المنصرم. لكن الآمال، آمال الرجل ومن معه، ومن هم شركاؤه في الوطن، تظل كبيرة، في أن تكون عودته بداية لعودة الاعتدال الوطني، والاعتدال الإيماني، والاعتدال السياسي والمؤسساتي والدستوري والميثاقي.
غدا يبدأ التنقيب عن خلفيات خطوة العودة، وعن نتائجها على تطورات ما تبقى من أيام أيلول: كيف ستنعكس على حكومة تمام سلام المتعثرة؟، وكيف ستؤثر على مجلس النواب الباحث عن بداية عقده العادي في 18 تشرين الأول المقبل؟. وخصوصا خصوصا، أي تغيير ستحمله عودة الاعتدال الحريري، على الموعد الرئاسي المقرر بعد ثلاثة أيام في 28 أيلول، أو على ما بعده، أو ما بعد ما بعده؟، فهل تكون عودته إلى العاصمة اللبنانية، هي الخطوة ما قبل الأخيرة؟، تليها خطوة- مفاجأة ما، في مكان مفاجئ ما، لتكرس اتفاقا ميثاقيا تاريخيا يعصم كل لبنان؟.
أصلا، ليس للحريري موئل غير بيروت. تماما كما ليس لأي لبناني موطن غير لبنان. كل الباقي نار وجحيم. اليوم مثلا، سقطت “نون” جديدة، هي “نون” أول ناهض، “نون” آخر عمان وآخر الأردن وآخر الإنسان. هي بداية ال “نحن” ونهايتها. سقط ناهض حتر شهيدا. شهيد الكلمة في وجه الرصاصة. شهيد التفكير في مواجهة التكفير. شهيد حرية العقل، ضد حز العنق. شهيد الإنسان في زمن الوحوش. شهيد المحابر في صحراء الخناجر. وشهيد الفكر المناضل، في مشرق الحقد القاتل. ناهض حتر شهيدا، فلتنكس الأقلام والأعلام.