في مثل هذا اليوم منذ 35 عاما، وقف الغار في مقابل العار، انتفضت بيروت لعزتها وندمت اسرائيل على غزوتها. كان يوما مجيدا بانطلاقة “جمول”، جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ضد اسرائيل، وصرخة “إلى السلاح” التي أطلقها الشهيد جورج حاوي. لكنه أيضا كان يوما مقيتا، باشتعال الحقد وتفلت الغرائز والوحشية في مجازر صبرا وشاتيلا. كان خالد علوان يخلد نفسه أمام الاسرائيلي الجبان في ال”ويمبي”، وكان الاسرائيلي يؤكد في صبرا وشاتيلا الصيت الاجرامي والسمعة الوحشية له التي اكتسبها من دير ياسين على يد شامير وبيغن وهاغانا والارغون.
اليوم في رياق، وعلى مقربة من الحدود السورية- اللبنانية، وفي خطوة تكريمية وأكثر من رمزية، احتفلت الوحدات المشاركة ب”فجر الجرود” بنصرها على الرايات السود والوجوه السود والقلوب السود.
واليوم أيضا يرد الأمن اللبناني على التحذيرات الغربية والرسائل الأميركية السياسية- الأمنية، بانجاز أمني جديد بتوقيف شبكات واحباط هجمات وتبديد شكوك والتباسات. الأميركيون يحددون كازينو لبنان هدفا للارهاب، والفرنسيون يحددون مواقيت ومواعيد للهجمات، ووزارة الخارجية اللبنانية مستاءة وممتعضة من حفلة تهبيط الحيطان على اللبنانيين، وحملة التخويف غير المبررة وغير المسبوقة وغير المفهومة في زمن الانتصار اللبناني، جيشا ومقاومة، على الارهاب، إلا إذا كان الأميركيون يعرفون من الباطن، وهم الذين لم يعرفوا من الظاهر كيف يتفادون 11 أيلول 2001 ولا الأوزاعي 1983. وإلا إذا كان الفرنسيون يعرفون المصدر الذي حدد لهم مهلة اليومين للتفجير، ولم يقل لهم ان هجمات بالجملة ستحصل في قلب باريس في 13 تشرين 2015، ولا على مظليي الدراكار في بير حسن العام 1983.
وبعد غد يفتح الأسبوع الجديد على اجتماع لن يعقد للمجلس الدستوري الذي حدد رئيسه موعدا لن يحضره، تماما مثل الذي يدعو الناس إلى بيته ويغيب في اليوم المحدد، ما يضع مصير الطعن المقدم من “الكتائب” ونواب آخرين في قانون الضرائب، في مهب الرد أو نفاذ المهل، على طريقة نحاول فننصر او نموت فنعذر.
أما الانتخابات النيابية الممغوطة حتى أيار 2018 بسبب البطاقة الممغنطة، فعادت محط الأنظار وقبلة الأبصار. فبعد ان نعى الرئيس بري الانتخابات الفرعية، دعا إلى تقديم موعد الانتخابات العامة، وهي دعوة يعرف الرئيس بري قبل الكثيرين انها من رابع المستحيلات، وقد تضاف إلى عجائب الدنيا السبع لتصبح ثماني، إذا قرب موعد الانتخابات، وخصوصا في ضوء المخاض السياسي الذي تعيشه المنطقة بعد تطورات الميدان السوري، وأزمة الانقلابات في التحالفات الداخلية.
التحالفات القديمة انتهت، ومعسكرا 8 و14 آذار في ذمة الله. الآن تنشأ جبهات جديدة، يبدو ان احتمال الى خطوط تماس هو احتمال موجود وقائم، تبعا لتطابق الأجندات أو تنافرها وتعارض المصالح أو تناغمها بين الحلفاء القدامي او الجدد والمستجدين.
حتى اليوم نجح لبنان، وبفضل ارتفاع منسوب الوعي والعقلانية، في تحييد أمنه واستقراره عن لهيب المنطقة ولو بالحد المقبول، لكنه ملزم بالاقامة الجبرية في محيط مضطرب ومحكوم بالجيوبوليتيك القدرية، في منطقة ما فتئت منذ مئات السنين تستولد النزاع وتتناسل الصراع.