المعركة انتهت، لكن غبارها لا يزال يملأ الأجواء، حاجبا رؤية البعض عن الحقائق الدامغة الآتية:
أولا: فشل حرب الإلغاء الجديدة، التي كانت تهدف إلى تحميل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر من دون سواهما، المسؤولية الكاملة عن كل الانهيار، بدليل استحواذ التيار وحلفائه على الكتلة النيابية الأكبر، وهذا واقع يدركه خصوم التيار قبل سواهم، وليس أمامهم إلا أن يتعاملوا معه بواقعية في الحد الأدنى، وبإيجابية للتعاون بما يحقق مصلحة لبنان في الحد الأقصى، وهذا هو المرتجى والأمل.
ثانيا: نشوء توازنات جديدة من نوعها في المجلس النيابي، لكنها لا تزال في طور البلورة، بفعل الوجوه الجديدة التي دخلت، وتلك القديمة التي أقصيت. وفي انتظار تأكيد المؤكد، الثابت حتى الآن ألا أكثرية نيابية ثابتة، بل “على القطعة”، علما أن الامتحان الأول لجميع الفائزين القدامى والجدد بات قريبا، من خلال انتخابات رئاسة ونيابة رئاسة مجلس النواب، ثم التكليف والتأليف.
ثالثا: خروج غالبية القوى السياسية، الفائزة والخاسرة أو الثابتة في مواقعها، من أجواء الشحن الانتخابي، باستثناء حزب القوات، إذ يواصل رئيسه سمير جعجع يوميا تحريض اللبنانيين والمسيحيين ضد بعضهم البعض. وآخر الأمثلة اليوم خلال إطلالة في جزين، ولو عبر شاشة، حيث كرر رئيس القوات كلامه غير اللائق في حق من يمثل شريحة كبرى من اللبنانيين والمسيحيين، والشريحة الأكبر من الجزينيين كما تقول الأرقام، فيما المطلوب تقبل الخسارة أينما كان بروح رياضية، تماما كما حدث في بشري، ومد اليد للتعاون مع أبناء المجتمع الواحد على مساحة لبنان.
رابعا: بعد هدوء النفوس وعودة الأمور إلى طبيعتها، تبين للبنانيين أن كل الوعود التي أغدقت عليهم قبل الانتخابات تبخرت: من “انتخبونا حتى ينزل الدولار”، مرورا بـ “نحنا فينا نضوي البلد” وسواهما من الشعارات الطنانة والرنانة التي ملأت طرقات لبنان بتكاليف تفوق الخيال، وصار المطلوب اليوم أن تعالج المواضيع لا بالخفة، بل بالعمق، ولا بالطبل والزمر، بل بالمنطق والعلم.
خامسا وأخيرا: لم تكد تنتهي الانتخابات، حتى انطلقت موجة جديدة من الشائعات والأكاذيب، لعل أبرزها ما يرتبط بملف الكهرباء، الذي لا يمل البعض من استغلاله في السياسة، حتى ولو كان رئيس حكومة، وكأن ما تسبب به جميع هؤلاء من تأخير في تطبيق الخطة الموضوعة بموافقة الجميع منذ عام 2010 لا يكفي… فتراهم اليوم يتسلون بكذبة جديدة، يعلمون هم قبل غيرهم أنها كذبة، وهي ستكون بلا أدنى شك محور توضيح من الوزارة المعنية في الأيام المقبلة.