قال رئيس الجمهورية كلمته أمس، فلم يسقط التدقيق الجنائي اليوم، كما كان البعض ربما يمنن النفس… ويبقى للأيام الآتية أن تحدد الوفاء بالالتزامات، إعتبارا من يوم الجمعة المقبل.
فالتدقيق الجنائي صار راهنا قضية حياة أو موت للوطن، وليس في هذا القول إطلاقا أي مبالغة… ففي بلد منهار اقتصاديا وماليا مثل لبنان، لا يمكن للنهوض إلا أن يبدأ بكشف الحقائق، لا بطمسها، وبالسير بثبات في المحاسبة العادلة على كل ما ارتكب على مدى ثلاثين عاما في حق مالية الدولة، والذي تتحمل مسؤوليته منظومة كاملة، فروعها السياسية والمالية والاعلامية، تكاد لا تستثني قطاعا من قطاعات البلاد.
والسير بالتدقيق الجنائي، وتاليا بالإصلاح الفعلي، عنوان أهم لمستقبل لبنان، وبكل المعايير، من مسألة تشكيل الحكومة الجديدة. ففي وطن يرزح تحت أزمات من هذا النوع، وبهذا الكم، لا نفع للحكومات إذا لم تكن تتمتع بجرأة الإصلاح، بذهنية الجراح لا الجزار، أي بشكل علمي ومنطقي، يكون مبنيا على القانون ومن ضمن المؤسسات. أما تشكيل حكومة “كيف ما كان”، فلن تكون نتيجته إلا تأجيل المشكلة من جديد، بلا حل جذري، بل بمجرد عملية تجميلية تدوم لوقت قصير، قبل أن تنكشف الخدعة، ويتبدد الغشاء.
غير أن اولوية التدقيق لا تحجب الانظار عن اهمية الحكومة، التي تشهد المشاورات في شأنها هذه الايام تسارعا ملحوظا بين الداخل والخارج، مع نفحة امل، ولكن من دون أن ترشح اي معطيات حاسمة.
فالفرنسيون على الخط، والأوروبيون من خلفهم، وكذلك الفاتيكان الذي يستعد لاستقبال رئيس الحكومة المكلف في 22 نيسان الجاري، بعدما كان تقدم بطلب اللقاء قبل أسبوعين. أما الاميركيون فحاضرون، فيما العرب جاهزون، والمصريون ناشطون، في وقت يصل غدا إلى لبنان وزير خارجيتهم سامح شكري، عشية وصول الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي الى بيروت.
أما مرسوم تشكيل الحكومة، الموجود في لبنان، فلا يزال التوقيع الرئاسي عليه ينتظر منذ اليوم الأول الالتزام بثلاثية الدستور والميثاق والمعايير. وهذه الثلاثية تشكل القاعدة الصلبة الوحيدة التي تسمح للحكومة بالعمل على مواجهة التحديات الجسيمة، والاستفادة من الجو الخارجي المساعد، لإنقاذ لبنان من مستنقع العقود الثلاثة، الذي يغرق فيه اللبنانيون اليوم، بعدما أوهمهم البعض طيلة السنوات السابقة أنهم يقودون قوارب النجاة.